> «الأيام» العربي الجديد:

المتابع لما يجري الآن من تدهور اقتصادي في مناطق نفوذ الشرعية والحوثيين سيصل إلى النتيجة نفسها.. فالسلطتان خلال فترة الحرب ومدة الهدنة المستمرة منذ ثلاث سنوات، تعاملتا مع إدارة الوضع الاقتصادي بطريقة فوضوية ولا مسؤولة، أهدرت المنظومة الإنتاجية والمؤسسية للبنية الاقتصادية في البلاد، والدلائل على ذلك تتجسد في انهيار القوة الشرائية للريال اليمني، والتصاعد المستمر لأسعار السلع والخدمات، وتزايد معدلات البطالة والفقر، وغيرها من المؤشرات الاقتصادية.

ما يحدث هذه الأيام في مناطق سلطة الشرعية خير دليل على العبث والفوضى في الجانب الاقتصادي، ويضع البلاد على شفا جرفٍ هارٍ، مسببًا آثارًا كارثية على حياة الناس ومعيشتهم وكرامتهم، ويمكن الإشارة إلى بعض مظاهر سوء إدارة الشأن الاقتصادي بالآتي:

- الإخفاق في إدارة الموارد السيادية العامة وفي توريدها إلى خزينة الدولة.

- الفشل في إدارة السياسة النقدية وعدم القدرة على إدارة سعر الصرف بشكل سليم، ما جعله في حالة انهيار مخيف أو غرق حر، وهذا له انعكاسات خطيرة على مستوى دخول الناس ومعيشتهم، فقد تعدى سعر صرف الدولار حاجز ألفي ريال، ما يعني أن الريال فقد نحو 90 % من قوته الشرائية مقارنة بما قبل الحرب.

- سوق الصرف في المحافظات المحررة يعاني من اختلالات كبيرة، أبرزها انكماش حجم العرض من النقد الأجنبي، مع تزايد حجم الطلب على العملات الأجنبية لمواجهة فواتير الاستيراد.

أصبحت حكومة الشرعية طرفًا مؤثرًا في المنافسة للحصول على الدولار لتغطية مرتبات موظفيها خارج البلاد، ما يزيد من تدهور سعر الصرف أكثر وأكثر. وللأسف فإن الإدارة العليا للحكومة قد لا تحس بمعاناة الناس وشظف عيشهم، لأنها تحصل على مرتباتها بالعملة الأجنبية (الدولار، الريال السعودي)، وتعيش خارج البلاد، بينما فئة الإدارة الوسطى والأدنى ومعها عامة الناس تكتوي بنار التضخم والغلاء والفقر والمعاناة.

- ساهمت السلطة في التضييق على المستثمر الوطني، ما دفعه إلى الهروب برأسماله واستثماره صوب الدول المجاورة. فخلال النصف الأول من العام الجاري، 2024، منحت السعودية نحو 600 ترخيص لمستثمرين يمنيين في المملكة، وفي هذا تشترك كل من سلطتي عدن وصنعاء في تحمل وزر إيجاد بيئة طاردة للمستثمر الوطني.

- على الجانب الآخر، ابتدعت سلطة صنعاء أساليبها الخاصة في إدارة الموارد السيادية، فقد تفننت في تنويع مصادر الجبايات المجحفة من الضرائب والجمارك والزكاة والأوقاف والرسوم الأخرى، وأعفت نفسها من أية التزامات تجاه مرتبات الموظفين أو الإنفاق على المشروعات التنموية، ما يجعل السلطة مساهمة في تجميد النشاط الاقتصادي والتنموي.

كذلك اصدر الحوثيون قانون منع التعاملات الربوية ليقضي على القطاع المصرفي، ويرمي البنوك التجارية والإسلامية والتمويل الأصغر في أتون الإعسار المالي والإفلاس، ويحرم مئات آلاف المودعين الاستفادة من ودائعهم وعوائدها، والدفع بهم إلى براثن الفقر والفاقة، إضافة إلى عجز تلك البنوك عن تمويل التجارة الخارجية، ما يعني الانغلاق عن العالم الخارجي، ويصبح مصير البنوك في المجهول.

كذلك تتبع سلطة صنعاء سياسة ممنهجة لتضييق الخناق على القطاع الخاص من خلال الجبايات والإتاوات المتنوعة والمتكررة، وإغلاق نوافذ التمويل للمشاريع الاستثمارية من القطاع المصرفي الذي أصبح في حالة موت سريري.

- إن كلا من الشرعية وجماعة الحوثي تديران الموارد السيادية للبلاد بطريقة غير مسؤولة بعيدًا عن الشفافية والمساءلة، وهذا يعني اتساع دائرة الفساد المالي والإداري، خصوصًا أن كلتيهما ليست لهما ميزانية عامة معلومة وموافق عليها من السلطة التشريعية، وكل هذا يؤكد حجم العبث والفوضى في إدارة الشأن الاقتصادي في مناطق عدن وصنعاء.

- إن كل المؤشرات الاقتصادية المرتبطة بالتضخم وتدهور القوة الشرائية للعملة الوطنية والبطالة والفقر تدل على أن الأوضاع تتجه نحو المجهول، وأن الشرعية وجماعة الحوثي أخفقتا في تلبية المتطلبات الأساسية للمواطنين في مناطق سيطرتهما، وتجاوز مرحلة الحرب وتداعياتها الكارثية على الأوضاع الاقتصادية والمعيشية.