> "الأيام" العرب الندنية:

​جاء التقرير الأممي الأخير بشأن التطور الكبير في القوّة العسكرية لجماعة الحوثي متماهيا في الكثير من جوانبه مع دعاية الجماعة الموالية لإيران بشأن امتلاكها أسلحة متطورة وقدرتها على التحكم في زمام تكنولوجيات صنعها واستخدامها ضدّ أقوى جيوش العالم وصولا إلى ترويجها لامتلاكها صواريخ فرط صوتية.

وأثار التقرير الذي أعدّه خبراء مكلّفون من مجلس الأمن الدولي شبهة انطوائه على تخويف متعمّد لدول المنطقة من الجماعة وداعمتها إيران وحتى من تنظيمات إرهابية مثل تنظيم القاعدة وحركة الشباب الصومالية اللذين قال هؤلاء الخبراء إنّ الحوثيين دخلوا في اتفاق وتعاون معهما.

وربطت جهات سياسية صدور التقرير في هذا التوقيت بالذات بما سمّته حالة امتعاض من قبل الإدارة الأميركية ذات النفوذ الكبير في المنظمة الأممية من حالة البرود التي أصبحت تتّسم بها مواقف دول في المنطقة، وتحديدا المملكة العربية السعودية، من المواجهة مع إيران والحوثيين الذين اتّجهت الرياض نحو مهادنتهم والبحث عن إبرام سلام معهم.

ويتوافق هذا الرأي مع ما نشرته صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية في تقرير لها قالت فيه إنّ دولا عربية شريكة للولايات المتحدة لم تستجب لضغوط من إدارة جو بايدن لإدانة الحوثيين بشكل صريح وتكذيب روايتهم بشأن دعمهم لغزة من خلال تعرّضهم لخطوط الملاحة.

وقالت الصحيفة إن المبعوث الأميركي إلى اليمن تيم ليندركينغ وجه رسائل إلى كلّ من السعودية ومصر يدعوهما فيها لبذل المزيد من الجهد لمواجهة “رواية البطل الحوثي في الشرق الأوسط”.

وأشارت إلى أنّ ليندركينغ قال في مقابلة أجريت معه مؤخرا بشأن موقف بعض دول الإقليم من الحوثيين وهجماتهم على السفن التجارية التي تعبر البحر الأحمر “لقد أخبرتهم جميعا بأنهم في حاجة إلى بذل المزيد من الجهد”.

وما يثير الامتعاض الأميركي بحسب التقرير ذاته وجود علاقة بين تمادي الحوثيين في تحدّيهم للولايات المتّحدة وإسرائيل والدعاية الإيجابية التي يجنونها باستخدام الشحنة العاطفية الكبيرة التي تنطوي عليها الحرب في غزّة لدى شعوب المنطقة.

ويؤكّد مسؤولون وخبراء نقل عنهم تقرير الصحيفة وجود جاذبية قوية لفكرة أن جماعة الحوثي التي تقيم سلطة أمر واقع غير معترف بها دوليا تقارع الدولة العبرية وتطعن في شرعية وجودها.

ويرى ليندركينغ أنّ الجهد الذي يتعيّن على حلفاء الولايات المتحدة القيام به هو تفنيد رواية البطل الحوثي ودعم فكرة أنّ الجماعة لا تساعد الفلسطينيين ولكنّها تشكّل خطرا كبيرا على اليمن والمنطقة.

كما يعتبر أنّ القوى الإقليمية “يمكن أن تساعد في تفكيك فكرة أن ما يفعله الحوثيون مبرر بحقيقة وجود صراع في غزة. نظرا لكونه يصعب على واشنطن وحدها فك الارتباط بين الأمرين”.

ونحت الأمم المتّحدة المنحى ذاته؛ حيث حذرت من خطر الحوثيين وذلك من خلال التقرير الذي أعدّه خبراؤها ونشر أواخر الأسبوع الماضي وجاء فيه أن الحوثيين بصدد التحوّل إلى منظمة عسكرية قوية توسع قدراتها التشغيلية بفضل دعم عسكري غير مسبوق خصوصا من جانب إيران وحزب الله.

وكتب الخبراء المكلّفون من مجلس الأمن الدولي أنه منذ بداية الحرب في قطاع غزة قبل نحو عام، عمل الحوثيون الذين يسيطرون على مساحات شاسعة في اليمن على “استغلال الوضع الإقليمي وتعزيز تعاونهم مع ما يعرف بمحور المقاومة الذي يضم إيران ومجموعات مثل حماس الفلسطينية وحزب الله اللبناني”.

وأشار التقرير الذي يغطّي الفترة من سبتمبر 2023 حتى نهاية يوليو 2024 إلى “تحوّل الحوثيين من جماعة مسلحة محلية محدودة القدرات إلى منظمة عسكرية قوية حيث تَوسَّع نطاق قدراتهم التشغيلية متجاوزا بكثير حدود الأراضي الخاضعة لسيطرتهم”.

وذكر التقرير أن ما جعل هذا التحوّل ممكنا هو نقل المعدات والمساعدة والتدريب من جانب فيلق القدس وحدة النخبة في الحرس الثوري الإيراني، ومن جانب حزب الله والجماعات الموالية لإيران في العراق، متحدثا أيضا عن إنشاء مراكز عمليات مشتركة في العراق ولبنان بهدف تنسيق الأعمال العسكرية المشتركة.

وحذر التقرير من أن “عمليات نقل العتاد والتكنولوجيا العسكرية المتنوعة المقدمة إلى الحوثيين من مصادر خارجية، بما فيها ذلك الدعم المالي المقدم لهم وتدريب مقاتليهم، هي عمليات غير مسبوقة من حيث حجمها وطبيعتها ونطاقها”.

ومستندين إلى شهادات خبراء عسكريين ومسؤولين يمنيين وأفراد مقربين من الحوثيين، يعتقد الخبراء أنّ الجماعة لا تمتلك القدرة على تطوير معظم المعدات وإنتاجها من دون مساعدة خارجية، ومن بين هذه المعدات بعض الصواريخ التي تستخدمها لاستهداف سفن في البحر الأحمر.

وشكلت الولايات المتّحدة مع بريطانيا تحالفا عسكريا للتصدي لهجمات الحوثيين على خطوط الملاحة دون أن يكون ذلك مؤثّرا بشكل عملي وكاف لردعهم.

وتدين غالبية دول المنطقة تلك الهجمات، لكنّها تتعمّد الضبابية في الموقف من ادعاء الجماعة دعم غزّة وذلك مراعاة للمشاعر الشعبية المستنفرة بسبب فظاعة الحرب في القطاع.

وقد وصلت بعض الجهات الرسمية في بعض الدول حدّ الانضمام إلى الدعاية الرسمية للحوثيين ومباركة ما يقومون به تحت عنوان نصرة القضية الفلسطينية.

ولاحظ الخبراء وجود أوجه تشابه بين وحدات الأعتدة المتعددة التي يشغّلها الحوثيون والأعتدة التي تنتجها وتشغّلها إيران أو الجماعات المسلحة التابعة لمحورها. وذكروا أيضا أن المقاتلين الحوثيين يتلقون منذ سنوات عدة تدريبات تكتيكية وتقنية خارج اليمن، لاسيما في إيران ومراكز تدريب حزب الله في لبنان.

ولفت الخبراء إلى أن حزب الله هو أحد الداعمين الرئيسيين للحوثيين وأنه منخرط أيضا في هيكلية صنع القرار لديهم وفي الدعم الفني مثل تجميع منظومات الأسلحة وفي الدعم المالي وفي التوجيه الأيديولوجي وخاصة في التلقين العقائدي للشباب وفي مجال الدعاية الإعلامية.

ومن العناصر الخطرة التي أوردها التقرير الأممي وتتضمّن إنذارا لدول المنطقة من تحوّل الحوثيين إلى جسر لعبور الجماعات الإرهابية إلى مجالها، تعاون الجماعة مع مرتزقة وتنظيمات إرهابية دولية حيث تحدث التقرير عن مجندين لدى الحوثيين من الشباب والأطفال وأيضا من المهاجرين الإثيوبيين غير النظاميين الذين أجبِروا على الانضمام إلى صفوفهم، مشيرا كذلك إلى أن “الحوثيين جندوا أيضا مرتزقة من قبيلتي تيغراي وأورومو الإثيوبيتين”.

كما أعرب التقرير عن القلق من التعاون المتزايد  بين الحوثيين وتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية الذي يتحالفون معه الآن ضد قوات الحكومة اليمنية.

ولاحظ الخبراء أنّ الحوثيين عملوا على تعزيز علاقاتهم مع حركة الشباب الإسلامية الصومالية، متحدثين عن احتمال توريد الأسلحة ونقلها بصورة غير مشروعة بينهما. وأردف القول “وفقا لما أفادت به مصادر سرية، يقيّم الحوثيون الخيارات المتاحة لتنفيذ هجمات في البحر من الساحل الصومالي من أجل توسيع نطاق منطقة عملياتهم”.

ووصف التقرير أيضا كيف استخدم الحوثيون مسألة التضامن مع الفلسطينيين من أجل إطلاق حملة تجنيد واسعة، وأورَدَ تقديرات للمقاتلين الذين بلغ عددهم 350 ألفا بحلول منتصف عام 2024 في مقابل 220 ألفا عام 2022 و30 ألفا عام 2015.

ومما ورد في التقرير “لئن كان الفريق لم يتمكن من التحقق بشكل مستقل من عدد المقاتلين المجندين حديثا، فإن أيّ تعبئة واسعة النطاق ستكون مدعاة للقلق”، مضيفا أنه على الرغم من أن المجندين الجدد لن يتوجهوا إلى غزة فإن ثمة احتمالا “بأن يُزَجّ بهم في معارك ضدّ حكومة اليمن”.

وتتلقّى الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا دعما رئيسيا من قبل السعودية المهتمة بتماسك تلك الحكومة ومن ورائها السلطة الشرعية اليمنية التي أصبحت الرياض تعوّل عليها ليس في مواجهة الحوثيين عسكريا وانتزاع المناطق اليمنية من سيطرتهم بقوّة السلاح، ولكن لإنجاز عملية سلام مع الجماعة يتم بمقتضاها إنهاء الصراع عبر مسار سياسي تفاوضي.