> علوي بن سميط:

مشاريع تراثية بملايين الدولارات للحفاظ على الهوية المعمارية في منهاتن الشرق
> مدينة شبام حضرموت ليست مجرد تجمع سكني قديم، بل هي شاهد حي على عبقرية العمارة الطينية التي أبهرت العالم. منذ أن أُدرجت المدينة ضمن قائمة التراث العالمي لمنظمة اليونسكو، أصبحت محط اهتمام واسع من قبل العديد من الصناديق والمنظمات المحلية والدولية التي تبنت مهمة الحفاظ على هذا التراث الثقافي الفريد. على مدى عقدين من الزمن، تضافرت جهود هذه الجهات بالتعاون مع الهيئة العامة للمحافظة على المدن التاريخية، الجهة الرسمية المسؤولة عن الإشراف على مدينة شبام، لتنفيذ مشاريع متنوعة تهدف إلى تعزيز البنية التحتية وحماية المعالم التاريخية المميزة للمدينة.

وشهدت مدينة شبام اهتمامًا ملحوظًا من جهات دولية وإقليمية ومحلية، أبرزها الاتحاد الأوروبي، مكتب اليونسكو في الدوحة، الصندوق الاجتماعي للتنمية، مشروع الأشغال العامة، وغيرها من المؤسسات التي ركزت على مشاريع صون التراث الثقافي والبنية التحتية.

هذه الجهود لم تكن مجرد مبادرات عابرة، بل امتدت لسنوات طويلة وتركزت على الحفاظ على هوية المدينة التاريخية ومكانتها العالمية.

الصندوق الاجتماعي للتنمية، على وجه الخصوص، كان له دور بارز في تنفيذ العديد من المشاريع التنموية والثقافية داخل أسوار المدينة. هذا الصندوق الحكومي، الذي يتبع رئاسة الوزراء، لطالما أكد على الشفافية في تقديم المعلومات المتعلقة بمشاريعه. وفقًا لإداريي الصندوق، فإن مشاركة المعلومات مع المجتمع المحلي هي جزء من التزامهم الأساسي بالشفافية، حيث يتيحون الفرصة لأي جهة ذات صفة رسمية أو مجتمعية لمعرفة تفاصيل المشاريع المنفذة.

على مدى خمسة عشر عامًا، نفذ الصندوق الاجتماعي للتنمية مشاريع مختلفة داخل مدينة شبام، شملت البنية التحتية، ترميم المعالم التاريخية، تحسين البيئة المعيشية، وتمكين الحرفيين المحليين. من بين هذه المشاريع ما يتعلق بإعادة تأهيل المباني السكنية التقليدية، ترميم سور المدينة التاريخية، تحسين نظام الصرف الصحي، وتوفير الأدوات والمعدات اللازمة للحفاظ على المدينة.

جهود الصندوق الاجتماعي لم تقتصر على التمويل والتنفيذ فقط، بل شملت أيضًا متابعة دقيقة لسير العمل عبر إرسال لجان مختصة ومديري المشروع لتقييم الأداء ميدانيًا وضمان الالتزام بالمعايير المتفق عليها. من خلال هذه المتابعة، تمكن الصندوق من تنفيذ مشاريع هامة أثرت بشكل مباشر على حياة سكان المدينة وحافظت على طابعها التاريخي.

مدينة شبام استفادت أيضًا من دورات تدريبية وورش عمل نظمها الصندوق، حيث تم تأهيل الحرفيين المحليين وبناء قدراتهم في مجال الترميم التقليدي. هذا التأهيل كان ضروريًا لضمان أن عملية الحفاظ على المعالم الأثرية تتم وفق الأساليب التقليدية التي تتناسب مع طابع البناء الطيني.
  • التحديات
وعلى الرغم من الجهود المبذولة، تواجه المدينة عدة تحديات تعيق تحقيق الأهداف المنشودة بالكامل. أولى هذه التحديات هي جودة تنفيذ بعض المشاريع، حيث يلاحظ السكان المحليون أن غياب الحرفيين التقليديين عن عملية الترميم أحيانًا يؤثر سلبًا على النتيجة النهائية. البنية الطينية للمدينة تتطلب خبرات متخصصة لا يمتلكها إلا الحرفيون الذين تربطهم علاقة طويلة بهذا النوع من البناء.

إلى جانب ذلك، هناك حاجة ملحة إلى تعزيز الشفافية من قبل جميع الجهات الداعمة والممولة للمشاريع في شبام. رغم أن الصندوق الاجتماعي للتنمية يقدم نموذجًا جيدًا في هذا الجانب، إلا أن بقية الصناديق والمنظمات تحتاج إلى تبني نفس النهج، بما يضمن إطلاع المجتمع المحلي على تفاصيل المشاريع قيد التنفيذ وتبديد أي شكوك قد تنشأ حول طبيعة هذه الأعمال أو مدى جدواها.

وعلى مدى عشرين عامًا، لعب الصندوق الاجتماعي للتنمية دورًا رئيسيًا في الحفاظ على هوية المدينة الثقافية والبنية التحتية، من خلال تمويل وتنفيذ مشاريع شاملة، كان أبرزها: استكمال مجاري شبام حضرموت: 193,046 دولار و توريد المواد والمعدات لمشاريع البنية التحتية: 3,051,404 دولارات و إعداد الدراسات والتصاميم لمشاريع البنية التحتية: 160,000 دولار وتنفيذ المقطع التجريبي للبنية التحتية: 351,450 دولارا وترميم سور المدينة التاريخي: المرحلة الأولى (37,501 دولار)، والمرحلة الثانية (38,189 دولارا) وإعادة تأهيل المباني السكنية التاريخية: 521,337 دولارا وتنفيذ مشروع البنية التحتية للمدينة: 3,986,662 دولارا وترميم مساكن شبام: بمراحل متعددة، تجاوزت تكاليفها 1.2 مليون دولار.

إضافة إلى ذلك، نظم الصندوق ورش عمل ودورات تدريبية، بقيمة 40,032 دولارا، استهدفت تأهيل الحرفيين المحليين، لضمان الحفاظ على الأساليب التقليدية للبناء.

والمجتمع المحلي نفسه يضع أهمية كبيرة على تقييم جودة الأعمال المنفذة، مشددًا على ضرورة الاعتماد على خبراء في العمارة الطينية للمساهمة في عمليات الترميم. هذا النوع من الترميم ليس مجرد عمل تقني، بل هو فن يحتاج إلى إلمام عميق بتفاصيل العمارة التقليدية التي تتطلب مهارة وخبرة متوارثة عبر الأجيال.

ومدينة شبام حضرموت تعد رمزًا للهوية الثقافية والمعمارية في اليمن والمنطقة العربية عمومًا. الجهود المبذولة من قبل الصناديق والمنظمات المختلفة ساهمت في الحفاظ على هذا الكنز المعماري وإبقائه حيًا أمام الأجيال القادمة. ومع ذلك، تبقى الحاجة إلى تحسين جودة التنفيذ وتعزيز الشفافية وإشراك الحرفيين التقليديين قائمة لضمان استدامة هذه الجهود.