> فتحي أحمد:

الرئيس الجديد للبيت الأبيض أمامه رزمة من الملفات، يريد خلال ولاية حكمه إنجازها، لا يبقي منها ولا يذر، فهو يتطلع إلى أميركا القوية والعظيمة على حد وصفه، يروم أن يغزو العالم اقتصاديا، يعتبر نفسه رجل الاقتصاد في العالم، تراه يصول ويجول في هذا الفضاء الرحب ويقرر ويملي ويتهدد ويتوعد دون أن ينبس أحد ببنت شفة.

بعيد فوزه بالانتخابات تفاجأ المراقبون بفوز ترامب الساحق وكانوا قد عولوا على فوز منافسته الديمقراطية كاملا هاريس، لكن الحقيقة كانت مغايرة لما توقعه المراقبون وهي أن ترامب استطاع بحنكته وخلاصة تجاربه في الانتخابات السابقة أن يسد كل الثغرات التي أرادت هاريس وحزبها النفوذ منها والفوز عليه من خلالها، حتى عندما أرادت هاريس أن تلعب على الفارق في السن بينهما، كثف من تحركاته وعقد مؤتمراته مستعرضا لياقته الذهنية والبدنية ليرد عليها عمليا.

قوبل هذا المقترح بالرفض من الجهات الرسمية لكل من مصر والأردن والشعب الفلسطيني بقياداته وأطيافه الحزبية، فهذا الرفض لا يعني استسلام ترامب، فهو ماض في تحقيق طرد الغزيين حتى اللحظة.

في الواقع، الشعب الأميركي لا ينظر كثيرا إلى سياسة بلاده الخارجية، ولا يعول كثيرا عليها، فهو يتطلع دوما إلى ترميم اقتصاده وتخفيف الأعباء الأخرى التي تثقل كاهله. هذا ما يهم الشعب الأميركي، أما في ما يتعلق بباقي الملفات فهو لا يعنيه.

في أقل من أسبوع بعد توليه الرئاسة، أعلن ساكن البيت الأبيض مخطط تهجير جزء كبير من سكان قطاع غزة إلى الأردن ومصر من أجل التخفيف من معاناتهم على حد تعبيره وتحجج بإعادة الإعمار، ومن ثم عودتهم إلى ديارهم بعد إتمام عملية الإعمار، إنه أسلوب التحايل، هجرة طوعية مؤقتة كما زعم ترامب فهنالك شيء من الخداع.

لقد قوبل هذا المقترح بالرفض من الجهات الرسمية لكل من مصر والأردن والشعب الفلسطيني بقياداته وأطيافه الحزبية، فهذا الرفض لا يعني استسلام ترامب، فهو ماض في تحقيق طرد الغزيين حتى اللحظة. لقد اقترحت الدول الكبرى مع إسرائيل عام 1956 ترحيل أهل غزة، فكانت النتيجة المتوقعة لمشروعهم وقتئذ الرفض، فضلا عن محاولات كثيرة دون جدوى.

إنما، في السياق ذاته، ينبغي القول إن حقيقة الهجرة عند الفلسطينيين وخاصة أهل غزة غير واردة أبدا، فما زال المواطن الغزي الذي يشكل 70 في المئة منه لاجئين يحمل مفتاح بيته الذي هجر منه وهو مصر على العودة.

لو استثنينا الولايات المتحدة، العالم جله ضد ترحيل أهل غزة ومع حل القضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين، فثمة تصريحات كثيرة رفضت فكرة الترحيل جملة وتفصيلا.

يبدو أن رئيس الولايات المتحدة الجديد لم يتعلم الدرس، ويجهل التعامل مع الملفات العالقة وخصوصا الملف الفلسطيني، فرغم صغر حجم فلسطين على الخارطة وصغر سكانها كذلك إلا أن الشعب الفلسطيني متشبث بحقوقه، قد يكون من السهل محاربة جيوش وهزيمتهم، ولكن من الصعب هزيمة فكرة مخزنة في عقول الناس، فمقولة "الكبار يموتون والصغار ينسون" أطلقها ابن غوريون مؤسس الكيان الصهيوني، وتبناها أشهر وزراء خارجية الولايات المتحدة في حقبة الحرب الباردة، وعلى نهجهما سار كثيرون من ساسة أوروبا وأميركا والعالم، وخاصة ممن يستظلون بظل واشنطن، ويدورون في فلكها.

لو استثنينا الولايات المتحدة، العالم جله ضد ترحيل أهل غزة ومع حل القضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين، فثمة تصريحات كثيرة رفضت فكرة الترحيل جملة وتفصيلا.

لقد أكدت وزارة الخارجية الألمانية الاثنين الماضي، ضرورة عدم طرد السكان الفلسطينيين من قطاع غزة. وذلك تعقيبا على تصريحات ترامب بشأن قطاع غزة، كما أعلن وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو أن اقتراح الرئيس الأميركي بتوطين سكان غزة في الدول العربية يتناقض مع مفهوم التعايش السلمي بين دولتين ذواتي سيادة، إسرائيل وفلسطين، والذي تدعو إليه فرنسا، واعتبرت باريس أن أيّ تهجير قسري لفلسطينيي غزة "غير مقبول". كما تبعتها سلوفينيا وقد أكدت وزيرة خارجية سلوفينيا تانيا فايون رفض بلادها القاطع لأي محاولات غير قانونية للاستيطان أو ضم أراض فلسطينية، معتبرة أن ذلك يعد خرقا للقانون الإنساني والدولي.

الآن تدشن مرحلة جديدة مملوءة بالتحديات والآمال الكبيرة، فترامب في نهاية المطاف سوف يجد نفسه أمام رفض الكل الفلسطيني والعربي فكرة الهجرة الطوعية، فالقيادات العربية وشعوبها ضد هذا المشروع لما فيه من مخاطر على تصفية القضية الفلسطينية، ودخول المنطقة العربية برمتها في حالة من عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والأمني.

"العرب"