> رغداء عتمه:

​سواء تحت شجرة من أشجاره، أو قبة من قبابه، أو فوق مصطبة من مصاطبه، يتسابق عمر كسواني (10 سنوات) مع إخوته وأبناء عمومته كل ليلة لأداء صلاة التراويح داخل المسجد الأقصى. لكن الصغير، على الرغم من معرفته بأنه لا فرق في الصلاة بين مكان وآخر، يزاحم المصلين للصلاة داخل مسجد قبة الصخرة. فإضافة إلى الجانب الروحي والمعنوي والإيماني، يتميز هذا المسجد بتصميم فريد لم يُعرف من قبل في عمارة المساجد، ويُعد أقدم وأروع نموذج لفن العمارة الإسلامية، وأحد أهم وأكبر المساجد في فلسطين.

تقع قبة الصخرة في قلب المسجد الأقصى، وهو أحد أبرز المعالم الإسلامية قدسيةً للمسلمين، إذ إنه أولى القبلتين، وثالث الحرمين، ومنه عُرج بالنبي محمد إلى السماء في ليلة الإسراء والمعراج، وفقًا للمرويات الإسلامية.

ويتكون المسجد الأقصى، الذي شُيِّد على مساحة شبه مستطيلة تبلغ 144 ألف متر مربع، ويشغل نحو سُدس مساحة البلدة القديمة في القدس، من عدة أبنية، ويحتوي على معالم يصل عددها إلى 200، منها مساجد، وقباب، وأروقة، ومحاريب، ومنابر، ومآذن، وآبار يبلغ عددها 25 بئرًا للمياه العذبة، ثمانٍ منها في صحن الصخرة المشرفة، و17 في الساحات السفلى، كما توجد مواقع للوضوء. وله 11 بابًا، سبعة منها في الشمال، وباب في الشرق، واثنان في الغرب، وواحد في الجنوب، إلى جانب أربع مآذن.

ويشمل المسجد الأقصى، الذي يُعد ثاني مسجد وُضع في الأرض بعد المسجد الحرام، كلًّا من قبة الصخرة (القبة الذهبية) الموجودة في قلبه، والجامع القِبْلي (ذي القبة الرصاصية) الواقع أقصى جنوبه ناحية القبلة، إلى جانب معالم إسلامية أخرى.
  • قبة الصخرة
يُعد مسجد قبة الصخرة، الذي بُني في عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان عام 72 للهجرة (691 للميلاد)، واحدًا من أروع الآثار الإسلامية. إذ يشمل مبنى المسجد، الذي كُسيت جدرانه بالرخام، الصخرة ومن أسفلها المغارة.

 وتشير المرويات الإسلامية إلى أن النبي محمد صعد منها إلى السماوات العُلى ليلة الإسراء والمعراج. كما يضم حاجزًا خشبيًا مزخرفًا أحضره صلاح الدين الأيوبي معه لدى تحريره القدس عام 1187 للميلاد، إضافة إلى أربعة أبواب ونافذتين اثنتين. أما جدران المبنى ذي الأضلاع الثمانية فقد كُسيت من الخارج بالبلاط القيشاني الأزرق اللون، الذي وُضع في العصر العثماني في عهد السلطان سليمان القانوني، وخُطَّت عليه سورة يس كاملة. أما النوافذ الخارجية الست المصنوعة من الجبس، فهي مزخرفة بزجاج ذي أشكال هندسية، تضمن حماية النوافذ الداخلية المصنوعة من الزجاج المعشق.

وتتكون قبة المسجد من رقبة مشغولة بالفسيفساء، فضلًا عن قبتين داخليتين يبلغ ارتفاعهما 34 مترًا، مشغولتين بالخشب والجبس والألوان والذهب، بينما القبة الخارجية مصنوعة من معدني النحاس والنيكل المطليين بالذهب، وقد احتاجت عند ترميمها آخر مرة إلى 80 كيلوغرامًا من الذهب. ويبرز داخل القبة النمط الكتابي في لوحات الفسيفساء المذهبة على أرضية زرقاء، حيث يوجد شريطان كتابيان بالخط الكوفي لآيات قرآنية يقعان في الجزء العلوي للمسجد من الداخل والخارج، وتشير في مجملها إلى توحيد الله وفق العقيدة الإسلامية.
  • الجامع القِبْلي
في مقابل قبة الصخرة، يقع الجامع القِبْلي الذي تعلوه قبة رصاصية، جنوب المسجد الأقصى جهة القبلة. وقد بدأ الخليفة عبد الملك بن مروان تشييده، وأتمه ابنه الوليد بين عامي 86 و96 للهجرة (705 و714 للميلاد). إلا أن زلزالًا ضربه أواخر حكم الأمويين عام 130 للهجرة (747 للميلاد)، وآخر في عهد الفاطميين عام 425 للهجرة (1033 للميلاد)، مما غيّر من شكله، إذ تحوّل من 15 رواقًا إلى سبعة أروقة فقط، ترتفع على 53 عمودًا من الرخام و49 سارية من الحجارة.


ويضم الجامع القِبْلي، الذي لا يزال المصلى الرئيس الذي يقف فيه خطيب الجمعة، 11 بابًا، ويتسع لنحو 5500 مصلٍّ، وله قبة داخلية مرتفعة مصنوعة من الخشب، تعلوها القبة الرئيسة الخارجية المغطاة بألواح الرصاص.
  • المسجد الإبراهيمي
يُعد المسجد الإبراهيمي، الذي يقع في قلب البلدة القديمة بمدينة الخليل جنوب الضفة الغربية، من أهم وأقدم المساجد في فلسطين. ويضم قبابًا يُقال إنها تحوي قبور النبي إبراهيم وزوجته سارة وأبنائه إسحق وإسماعيل ويعقوب ويوسف وزوجاتهم -عليهم السلام-. كما يحتوي المسجد على صحن مكشوف، وعدد من الأروقة، والغرف، والممرات، والقباب، ومئذنتين، إضافة إلى قبو أرضي يُعرف باسم "الغار"، يضم قبور بعض الأنبياء، وتوجد في محيطه ثلاثة أبواب ومصدران للمياه هما "عين الطواشي" و"العين الحمراء".

ووفقًا للكتب والمرجعيات التاريخية، فقد وضع الملك هيرودوس الأدومي أسس المكان أثناء فترة حكمه للمدينة، وأنشأ سورًا ضخمًا عُرف بـ"الحير". لاحقًا، حوّل الرومان الموقع إلى كنيسة، لكنها تعرضت للهدم أثناء الغزو الفارسي لفلسطين عام 614 للميلاد. ومع الفتوحات الإسلامية عام 15 للهجرة، حوّل المسلمون البناء إلى مسجد. وفي العصر الأموي، شهد المسجد أعمال توسعة وتطوير شملت تسقيفه، وإضافة قباب فوق المدافن، وتشييد مبانٍ جديدة حوله.

بعد احتلال مدينة الخليل عام 1967، استولت السلطات الإسرائيلية على نحو 60% من مساحته وحولته إلى كنيس يهودي، بينما بقي 40% منه للمسلمين. وتم فصل أجزاء المسجد باستخدام 22 حاجزًا وستة بوابات حديدية، مع وضع ثكنات عسكرية للمراقبة داخله وحوله، وذلك بعد هجوم المستوطن باروخ غولدشتاين عام 1994، الذي أسفر عن استشهاد 29 مصليًا وإصابة 129 آخرين أثناء صلاة الفجر.
  • خاتمة
تمثل المساجد في فلسطين شاهدًا على تاريخ طويل من الحضارة الإسلامية، وتبقى أماكن للعبادة، والتاريخ، والثقافة، رغم التحديات والمخاطر التي تواجهها.