> إعداد/ عبدالقادر باراس:
نُسلّط الضوء في حلقة اليوم على الأسواق التي اشتهرت في عدن ببيع الأكلات الرمضانية والمشروبات المحلية.
تمتلئ المحال المخصصة لبيع مستلزمات رمضان بالمتسوقين منذ منتصف شعبان، حيث يقتني كل شخص ما يناسب إمكاناته المادية. كانت الأسعار رخيصة، والنقود (البيسة) مباركة، وكان الموظف في الدولة آنذاك يتقاضى راتبًا شهريًا قدره 50 روبية، والتي كانت تعادل 75 شلنًا، وهي تكفي لإعالة أسرة مكونة من 6 أشخاص.

في فترة الستينيات، كانت هناك أماكن مميزة لبيع الأكلات الرمضانية الشهية، من بينها الأكشاك المنتشرة أمام مسجد النور في منطقة الشيخ عثمان، وأسواق الخضرة في البريقة، والتواهي، والقلوعة. كما كان هناك سوق معروف أمام عمارة باجنيد في عدن، حيث تتوفر جميع الأصناف الرمضانية الشهية.
كان سوق الكدر في كريتر، الواقع في شارع الرشيد خلف السوق الطويل، هو المكان المخصص لبيع اللحوح والكدر والدخن وخمير الموفة. وكان يبيعها كل من النساء والرجال الذين لا يملكون محلات، بل يفترشون الأرض. يفضل البعض شراء الحقين من سوق الكدر، بينما يفضل آخرون شراءه من المطاعم والمشارب.

كان سوق الكدر في الشيخ عثمان يبدأ عادة في الصباح الباكر وينتهي في الساعة الثامنة أو التاسعة صباحًا، ثم يعود في الساعة السادسة مساءً.
وقد كان يوفر هذا السوق خدمة كبيرة للفقراء، حيث يُعتبر الكدر من أرخص الأطعمة.
كان التمر يُباع أيضًا في سوق الكدر الذي يقع خلف سوق الطويل في عدن. وكان سوق التمر في الشيخ عثمان يُسمى "الجودي"، وكان أشبه بكوخ طويل، فسارعت الحكومة آنذاك إلى تحسين حالته ورفع مستواه حتى أصبح السوق متألفًا من أقسام، حيث يوجد في كل قسم بائع. في الأربعينيات، كانت قواصر التمر العراقي تدخل إلى عدن، وكان يُباع القوصرة بخمس روبيات. في تلك الفترة، كان يتم استيراد التمر من النوع الأول، كما كان التجار يستجلبون التمر الزاهدي أيضًا.
كما كانت تُعرض أنواع كثيرة من التمور التي تُعد جزءًا أساسيًا من المائدة الرمضانية، وتتفاوت بين التمور الفاخرة والعادية لتناسب جميع الأذواق والميزانيات.

اللحوح تُباع في شهر رمضان وتعتبر من المكونات الأساسية التي يحتاجها الصائمون لإعداد الشفوت والفتة بالمرق. إلى جانب باعة اللحوح والكدر وغيرهما، كان هناك أيضًا باعة الحقين (المعروف بالتريب) الممزوج بالفلفل الحار، وهو أحد المكونات الأساسية التي تحتاجها عملية إعداد الشفوت.
لم يعرف المواطن الزبادي واللبن المعلب إلا منذ التسعينيات، حيث كان المواطن يحصل عليه طازجًا قبل تلك الفترة. في أيام زمان، لم تكن الألبان المجففة شائعة كما هي الآن. كان بعض الصوماليين في عدن يمتلكون أغنامًا ويبيعون اللبن الطازج بأسعار رمزية تصل إلى شلن أو نصف شلن. اعتاد الأهالي استخدام هذا اللبن الطازج لتحضير وجبات السحور، مثل فتة الخبز باللبن الغنمي، التي كانت وجبة أساسية تضفي شعورًا بالدفء والبساطة.
كانت أسعار اللحم الصومالي تُباع بسعر (1 شلن و75 سنتًا)، حيث كان ثمن الرطل 3 شلنات. كان الجزارون يذبحون اللحم البلدي والبقري، ويبيعون اللحم البقري بسعر 2.5 شلن، واللحم البلدي بسعر 4 شلنات، وذلك في عام 1959م. أما بالنسبة لأجزاء اللحم مثل الظهر، الرجل، وقطع الحقو، فكان سعر الرطل 6 آنات. بينما كانت الشرائح الأخرى مثل الكتف تباع بسعر 5 آنات للرطل، في حين كان سعر الرطل للرقبة والصدر 4 آنات.

في سوق اللحم، كان الجزارون يخرجون الكبد والقلوب والمخ لأرباب البيوت وأصحاب العائلات، حيث كانوا يبيعونهما على أصحاب الكباب.
ومن المطاعم والمشارب التي اشتهرت ببيع الحقين: مطعم التريب، القطيب (الزبادي) في كريتر، مطعم البحر الأحمر، مطعم التركي التابع لفندق متربول، مطعم لوكس، مشرب النعمي في الشيخ عثمان، ومطعم ذي لوكس، إضافة إلى مشرب الزحف الحربي تحت مسجد النور.
كانت تُباع مشروبات مثلجة محلية في بداية الخمسينيات تعرف بعصائر "عرفان"، تُصنع من الفواكه مثل البرتقال والليمون والتمر الهندي واللوز والرمان، بالإضافة إلى شراب البرتقال والأناناس والمانجو، وشراب "رايبينا" (Ribena). كما كانت هناك المشروبات الغازية مثل الكوكا كولا، والبيبسي، والكوتر، وكندا دراي، وستيم، وكيتي كولا، وميراندا، وسفن. بالإضافة إلى عصائر أخرى مثل عصير القها المصري. وكان هناك من يفضل تناول شراب زهرة الكركديه بلونه الأحمر الطبيعي، والذي يعد من مشروباتهم المفضلة، وهو من إنتاج مصنع "فلاكا" لصاحبه علوي الكاف.
يبقى مشروب "لمليت الفارسي" يحمل ذكرى جميلة في شهر رمضان، حيث كان الناس، قبل أذان المغرب، يشترون "اللمليت" من "البمبة" الخاصة بالفارسي، ثم يعودون به إلى بيوتهم. كانت "البمبة" تقوم بصناعة مشروب "اللمليت"، وهو من المشروبات الغازية التي كانت تُعبأ في قوارير كبيرة. كان ذلك في زمن يسبق دخول المشروبات الغازية الفاخرة مثل: كوكا كولا، وبيبسي، والكوثر، وكندا دراي، وستيم، وكيتي كولا، وميرندا، وسفن أب.
لا يزال الكبار يتذكرون مواقع بيع الأكلات الرمضانية في عدن خلال ستينيات القرن الماضي، حيث اشتهرت بعض الأماكن ببيع السمبوسة المحشوة بالزبيب واللوز، وأخرى محشوة بالدقة، بالإضافة إلى العديد من الأصناف الأخرى التي لم تكن تُحضرها العائلات بنفسها. وكانت هذه الأكلات تُقدم بجودة عالية، ومن أشهر مقدميها في ذلك الوقت عبدالملك عمر عقيلي، الذي كان معروفًا بتوفير ما يحتاجه الزبائن من شهيات رمضانية لذيذة.
ومع بداية الستينيات، دخلت إلى أسواق عدن أنواع من علب الكاستر بودر المسمى بـ "اللبنية"، بالإضافة إلى الجيلي. وكان مورد هذه المنتجات وكيلًا معتمدًا في المدينة، والكائن أمام مسجد أبـان في منطقة كريتر.
كان كستارد ماركة "رويال" الفاخرة، ذات رائحة الفانيلا، يُباع بتخفيضات بمناسبة شهر رمضان، بسعر شلن وخمسة وسبعون سنتًا للعلبة وزنها رطل واحد. وكان وكيله المعتمد "في. جيه. ديسا وإخوانه"، الواقع في شارع السوق الطويل بكريتر.
كان يُباع مسحوق الكستر من ماركة "الينكو"، المعروف حالياً باسم "اللبنية" و"الجيلي"، في محلات وكالة "الجنوب العربي للتجارة"، التي تقع أمام مسجد إبان في منطقة كريتر.
كان محل محسن فضل اللحجي يقوم بإعداد وبيع السمبوسة بالدقة والفروري في منزله الكائن في طريق غاندي بمنطقة الخساف بكريتر، بالإضافة إلى بيعها في محله الواقع أسفل سينما "هريكن".