> عدن "الأيام" عبدالقادر باراس:

من المعروف أن إقامة مختبرات لفحص المقاييس وضبط الجودة في مناطق مأهولة بالسكان تنطوي على مخاطر صحية وبيئية، نظرا لما تحتويه هذه المختبرات من مواد كيميائية وتحليلات للمواد السامة، الأمر الذي يتطلب إنشاءها في مواقع معزولة وآمنة بعيدا عن التجمعات السكنية. وفي هذا السياق نفذ أهالي بلوك 58 في حي ريمي بمديرية المنصورة بالعاصمة عدن وقفة احتجاجية يوم أمس الأول، شارك فيها عدد من رؤساء اللجان المجتمعية والأحياء في مديرية المنصورة، للتعبير عن رفضهم قرار نقل مبنى الهيئة اليمنية للمواصفات والمقاييس وضبط الجودة ومختبراتها إلى وسط حيهم السكني. وطالبوا في وقفتهم الجهات المعنية وفي مقدمتها مجلس القيادة الرئاسي ومجلس الوزراء ووزير الدولة محافظ عدن، بتحمل مسؤولياتها والتدخل الفوري لوقف عملية نقل ديوان الهيئة ومختبراتها إلى وسط أحيائهم السكنية المكتظة بالسكان لما يمثله ذلك من تهديد ومخاطر صحية وبيئية على حياتهم.

وفي خضم هذه التحركات المجتمعية والتحذيرات، أشار خبير بيئي وصحي يعمل في مختبرات الهيئة اليمنية للمواصفات والمقاييس بعدن، إلى جملة من المخاطر الفنية والصحية المرتبطة بعمل هذه المختبرات، موضحًا بأن هناك مخاطر ناجمة عن أعمال المختبرات خاصة فيما يتعلق بالبحث عن البكتيريا والأمراض المنقولة عبر الغذاء. موضحا بأن هذه العمليات تمر بعدة مراحل تبدأ بتوفير البيئات الكيميائية اللازمة لزراعة البكتيريا واكتشافها.

وأشار إلى أنه بعد الانتهاء من الفحوصات تجرى عمليات الإتلاف والتي تنتج عنها روائح كيميائية كريهة. وأضاف "أن مختبرات الكيمياء تستخدم محاليل كيميائية مركزة، كما أن مختبر فحص أسطوانات الغاز وتفجيرها ينطوي على مخاطر كبيرة تهدد سلامة السكان".

ونبّه الخبير إلى أن استخدام المختبرات للتيار الكهربائي المتصل حاليا بشبكة المواطنين قد يؤدي إلى ضعف التيار بل وقد يتسبب أحيانًا في احتراق الكابلات. كما أشار إلى أن الشفاطات المستخدمة في المختبرات قد تنقل العفن والبكتيريا عبر الهواء مما يشكل خطرًا إضافيًا على الصحة العامة.

في موقف سابق ومغاير للمخاطر الصحية والبيئية المرتبطة بعمل المختبرات، كانت الهيئة اليمنية للمواصفات والمقاييس وضبط الجودة قد رفعت بمذكرة بتاريخ 13 فبراير 2024م إلى وزير الدولة محافظ عدن، تحصلت "الأيام" على نسخة منها، وتعتبر تلك المذكرة ادانة لها بتناقضها وتجاهلها لمعايير السلامة العامة والصحة البيئية وعدم التزامها بما كانت تطالبه من توفير مقر ملائم ومستقل ومبناها الحالي لا يفي بمتطلبات عملها. مؤكدة أن نشاط مختبراتها يجرى حاليا في شقق سكنية ضيقة تفتقر إلى المعايير الفنية والبيئية اللازمة.

حيث نبهت في مذكرتها إلى أن مختبراتها تتعامل مع مواد خطرة، مما يتطلب بيئة آمنة ومجهزة بمعدات متخصصة يصعب توفيرها في الوضع الحالي. ويلزم بضرورة أن تكون مختبرات التحليل والفحص والاختبار معزولة تمامًا عن السكان، بل وحتى عن الموظفين غير العاملين في المختبرات، وألا تشترك في تمديدات المياه أو مجاري المطابخ مع الشقق السكنية.

وأوضحت الهيئة أنها تعتمد في عملها على عمليات التحضين وتوفير مزارع للبكتيريا الممرضة والمعدية أثناء تحليل الأغذية بهدف الكشف عن البكتيريا المسببة للأمراض والخمائر والعفن والسموم الفطرية والطفيليات وهي جميعها تصنف ضمن المخلفات الخطرة، بالإضافة إلى ذلك تنتج عن عمليات المختبر غازات وأتربة وأبخرة كيميائية خطرة تسحب إلى الخارج لكنها قد تعود إلى الشقق المجاورة عبر النوافذ، كما أن المخلفات السائلة الناتجة قد تكون محملة بعناصر ثقيلة، وتصرّف عبر تمديدات المياه المشتركة مما يشكل خطرا صحيا وبيئيا كبيرا.

وختمت الهيئة مذكرتها بمطالبتها بتخصيص مبنى مستقل او حصولها على قطعة ارض لإنشاء مقر دائم يسهل الوصول إليه باعتبار وضعها الحالي يعيق حصولها على شهادات الاعتماد الضرورية لعمل الهيئة، إذ لا يستوعب مقرها سوى مختبرين من أصل خمسة، مما يحد من قدرتها على تلبية الطلبات.

هذا وقد تحصلت "الأيام" على مذكرة موقعة بتاريخ 2 يناير 2025 لعدد (16) موظف منهم نواب للمدير التنفيذي للهيئة ومدراء ادارات ورؤساء اقسام موجهة لوزير الدولة محافظ عدن بصفتهم الشخصية والاعتبارية، مؤكدين بأن الهيئة لا حاجة لها الى استئجار مبنى جديد وعبروا عن رفضهم لاستئجار مبنى بقيمة 7 ألف دولار شهريا وتساءلوا في رسالتهم عن سبب استئجار مبنى رغم وجود مبنى مستأجر حاليا بـ 3 الف دولار حتى نهاية عام 2026 وأوضحوا أن المبنى الحالي يمكنه استيعاب الأجهزة المطلوبة، كما أشاروا إلى أن المبنى الجديد لا يفي بشروط انشاء مختبرات الهيئة ولا يحقق أي شرط من شروط انشاء المختبرات، وطالبوا بالرجوع إلى مختصين.

كما تحصلت "الأيام" على مذكرة أخرى بتاريخ 29 يناير 2025 موقعة من بعض موظفي الهيئة وعددهم (13) موظفا وفقا لاجتماع تم عقده في ديوان عام الهيئة تم رفع نتائجه إلى المدير العام التنفيذي للهيئة طالبوه فيها بسرعة استرداد مبلغ مائة 100 مليون ريال المسحوب من رصيد الهيئة لإيجار المبنى، وكذا مطالبتهم بسرعة ترميم المبنى الممنوح للهيئة المستلم من وزير الدولة محافظ عدن ناهيك عن الاستفسار عن إيرادات الهيئة من هيئة التقييس الخليجي ومبلغ 280 ألف دولار الممنوح من إحدى المنظمات. كما أشارت المذكرة الموقعة من نواب المدير العام ومدراء الإدارات ورؤساء الأقسام في الهيئة إلى مطالبتهم بتزويدهم بصور من الاتفاقيات المبرمة مع الجهات الأخرى (المصافي- كلية الهندسة - هيئة التقييس الخليجي - اتفاقيات الحديد التركي).

تحدث القائم بأعمال رئيس اللجان المجتمعية بمديرية المنصورة، جهاد محمد معتوق، لـ "الأيام" معبرًا عن استغرابه من تصرفات هيئة المواصفات والمقاييس وضبط الجودة. حيث أكد أن مشاركة اللجان في الوقفة الاحتجاجية تأتي من مسؤوليتهم كمواطنين وممثلين للجان المجتمعية، مشيرا إلى أن الهيئة تتصرف كما لو كانت جهة منفصلة عن الناس رغم كونها تمثل مصالح المواطنين.

وأضاف، أنه من غير المقبول أن تقام مختبرات الهيئة وسط الأحياء السكنية، خصوصا في ظل مخاطرها الصحية المترتبة على المخلفات السامة، مطالبا باختيار مواقع بعيدة عن المناطق السكنية.

موضحا بأنه "كان من المفترض أن تهتم الهيئة بالجودة وبصحة المواطن، لكن ما نشهده مغاير تمامًا. فهم يصرّون على إقامة مختبراتهم وسط الأحياء، رغم أنهم سبق وأن خاطبوا وزير الدولة محافظ عدن بطلب تخصيص موقع بعيد عن التجمعات السكانية، لما تحمله هذه المختبرات من مخاطر تهدد سلامة المواطنين. بهذا خالفوا الأمانة، وسيضرّون بصحة الناس بدلاً من الحفاظ عليها".

وتساءل معتوق: "هل في نظرهم أن الجودة لا تتحقق إلا بإقامة المبنى في وسط الأحياء؟ وهل ستكون مختبراتهم أكثر جودة إذا كانت بين الناس؟ أم أن البعد عن الأحياء سيقلل من كفاءتها.. أليس غريبا تفكيرهم بهذا الشكل دون أي اعتبار للمصلحة العامة؟! نحن لا نطالب رئيس الهيئة إلا بشيء واحد هو أن يبعد من رأسه نهائيًا فكرة إقامة هذا المبنى داخل الأحياء السكنية، حتى إذا ذهب في أماكن بعيدة سنلاحقه وسنتأكد من سلامة البيئة هناك".

وختم رئيس اللجان المجتمعية بمديرية المنصورة حديثه: "كفى فسادا ولا ينبغي أن يستشري بهذا الشكل الفاضح، يجب أن يوضع له حد.. وكفى".