الاعتداء على رجل المرور في عدن أصبح بمثابة تجسيد للقوة والهيبة وعادة يقوم بها أشخاص مدنيون وجنود فوضويون تحت إدارة بعض المسؤولين من ذوي الخبرة في المكر والفساد، مستفيدون من مناصبهم لأنهم يفهمون جيدًا كيف يعمل النظام، وهم وجنودهم لا يخشون العقاب إن تم الكشف عن أسمائهم ومناصبهم، هدفهم الرئيس الحفاظ على كراسيهم عبر استعراض القوة من خلال الفوضى.

بالأمس تم اغتيال مدير شرطة سير عدن الشهيد العقيد مروان عبده العلي أمام ابنته التي لم تتجاوز حينها الـــ "9" أعوام ولازال الجناة مجهولين حتى الآن، واليوم يتعرض مدير شرطة السير في عدن لاعتداء من قبل رجال يتبعون جهاز الأمن الخاص.

هناك فيديوهات تظهر مسلحين بزي عسكري وأشخاص عاديين يهاجمون رجال مرور ويهينوهم ويطرحون بعضهم أرضًا أو يأخذونهم إلى جهات غير معلومة في استعراض همجي للقوة والقروية والرذائل التي أوجدتها وأفسدتها تمامًا عدم السيطرة والإفلات من العقاب.

ليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة التي يتعرض فيها رجال المرور للاعتداءات من قبل أشخاص يعيشون عصر السلاح ويدركون بأنه لن يتم معاقبتهم أو إدانتهم وقضيتهم لن تصل إلى القضاء، لأن ذبح ثور أو غنمة واحدة بالنسبة لهم هي الحل وتكفي لإغلاق ملف أي قضية.

في يوم من الأيام كانت مدينة عدن قِبلة التعليم والفن والأخلاق والثقافة والأمن والسلام، واليوم تحولت إلى ساحة للفاشلين وللعربدة والبلطجة والفوضى والاعتداءات المتكررة والممنهجة ضد رجال المرور، ناهيك عن وقف متعمد للعملية التعليمية والراتب والخدمات وجميعها جزء من مخطط لإسقاط المدنية عن عدن وهيبة القانون فيها.

عدن في القرن 21 تعيش استهتارا للتعليم والقضاء وللقيم المدنية وتثبيت لدعائم الهمجية والقروية وعدم احترام النظام والقانون، نشاهد فيها السلاح والحمير والجمال تتجول في الشوارع بعضها تنقل الماء ونفايات البناء بدلًا السيارات، و"الهجر" بذبح الثيران والغنم أصبح بديلًا عن القانون والسلطة القضائية وممارسة الفساد أصبح هيبة ونهب إيرادات الدولة أصبح واجبًا والاعتداء على رجل المرور شجاعة وتقزيم وإفقار المعلم وعدم احترام مطالبه حق.

عدن من أكثر المدن تضررًا من تنافس العقليات القروية للسيطرة عليها، التي لا تعي أن استقرار المدينة يتطلب جهدًا إنسانيًّا وقانونيًّا أكثر من استعراض عضلات السلاح والأطقم. نريد إعادة السلام إلى عدن وأن يكون القانون فوق الجميع والاهتمام بالإنسان قبل السلطة والمنصب والثروة، فلا يمكن أن يكون هناك استقرار وتنمية وبناء مستقبل مزدهر قائم على السلاح والظلم.

على القائمين والمشاركين في إدارة عدن المحليين والإقليميين والدوليين أن يدركوا أن الصمت عن الانتهاكات التي تحدث في المدينة وضعف سيادة القانون والعدالة والقيم هو تهديد للسلم الاجتماعي.