> أبريل لونغلي آلي:
- واشنطن كانت بحاجة إلى مخرج لكن الجماعة لا تزال قادرة على تهديد الاقتصاد العالمي
بعد سبعة أسابيع ونصف من الغارات الجوية المكثفة على أكثر من 1000 هدف مختلف، انتهت حملة القصف التي أطلقتها إدارة ترامب ضد الحوثيين في اليمن بشكل مفاجئ كما بدأت.
ففي السادس من مايو، أعلن الرئيس دونالد ترامب في اجتماع بالمكتب البيضاوي مع رئيس الوزراء الكندي مارك كارني أن الحوثيين المدعومين من إيران "لم يعودوا يرغبون في القتال" وأن الولايات المتحدة ستقبل "كلمتهم" وتوقف القصف.
وأكد وزير الخارجية العماني بدر بن حمد البوسعيدي على منصة "أكس" أن بلاده توسطت في اتفاق لوقف إطلاق النار بين واشنطن والحوثيين، تضمن عدم استهداف الطرفين لبعضهما البعض.
وعلى الرغم من الهجمات الفعالة التي يشنها الحوثيون على الشحن الدولي في البحر الأحمر واستمرار هجماتهم ضد إسرائيل، فإن الاتفاق لا يقيّد بوضوح تصرفات الحوثيين تجاه أي دولة أخرى غير الولايات المتحدة؛ ويُلاحظ غياب إسرائيل والسفن "المرتبطة بإسرائيل" عن الاتفاق، وهو مصطلح كان الحوثيون يفسرونه على نطاق واسع في السابق.
ما يثير الحيرة في إعلان البيت الأبيض هو أن موقف الحوثيين لم يتغير فعليًا منذ بداية حملة القصف الأميركية المكثفة في 15 مارس. فقد أطلقت عملية "الفارس الخشن" – كما سمتها واشنطن – بهدف استعادة حرية الملاحة في البحر الأحمر وإعادة فرض الردع على إيران ووكلائها.
وعند بدء العملية، كان الحوثيون يستهدفون بشكل صريح إسرائيل والسفن المرتبطة بها – ولكن ليس السفن الأميركية – وكانوا يصرحون بأنهم سيستمرون في ذلك حتى توقف إسرائيل حربها في غزة. ومنذ بداية الحملة، أوضح قادة الحوثيين أنهم سيتوقفون عن استهداف السفن الأميركية إذا أوقفت واشنطن القصف، لكن هجماتهم على إسرائيل ستستمر.
وبعد إعلان ترامب عن الاتفاق، أعاد المتحدث باسم الحوثيين محمد عبدالسلام تأكيد هذا الموقف. بمعنى آخر، وبعد عملية عسكرية أميركية كلفت أكثر من 2 مليار دولار وكان يُفترض أنها أضعفت القدرات العسكرية للحوثيين، لم يسفر وقف إطلاق النار عن شيء سوى إضفاء الطابع الرسمي على موقف الحوثيين الأصلي. وعلى الرغم من ادعاء ترامب أن الحوثيين "رضخوا"، فإن الجماعة لا تزال تسيطر على السلطة ووصفت الاتفاق بأنه "نصر لليمن".
بالنسبة لإدارة ترامب، وفر وقف إطلاق النار نهاية سريعة لحملة أصبحت لا تُحتمل بشكل متزايد. فالحملة لم تكن باهظة التكاليف فحسب، بل أثارت أيضًا قلق صناع القرار في واشنطن من احتمال انزلاق الولايات المتحدة إلى حرب دائمة جديدة في الشرق الأوسط. ولم يكن هذا السيناريو بعيدًا عن توجهات نائب الرئيس جيه دي فانس وأعضاء الإدارة من أصحاب التوجه الانعزالي الجديد، الذين لطالما شككوا في التدخلات العسكرية الأميركية.
ما إذا كان هذا التطور سيمنح إدارة ترامب فرصة للانسحاب من المأزق الحوثي لا يزال غير واضح. لكن إذا تجاهل ترامب استمرار هجمات الحوثيين على إسرائيل، فهناك ما يشير إلى أن الجماعة ستتجنب، في الوقت الحالي، مهاجمة الأصول الأميركية. كان من المرجح أن ينجو الحوثيون حتى لو استمرت حملة القصف، لكن إنهاء الحملة شكل العديد من المكاسب بالنسبة لهم. إذ يمكن لقادة الجماعة الآن الادعاء بأنهم صمدوا أمام قوة عظمى وانتصروا، وتخففوا من الضغط الذي كانت تمارسه الغارات الأميركية.
كما يمكنهم تركيز جهودهم على إسرائيل، التي تخوض بدورها حملة جوية عقابية ردًا على هجمات الحوثيين، بما في ذلك ضربة صاروخية باليستية بالقرب من مطار بن غوريون في تل أبيب أوائل مايو. والأهم من ذلك، أن الاتفاق مع الولايات المتحدة يجعل من غير المرجح أن تدعم واشنطن أي هجوم بري ضد الحوثيين تنفذه الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا – وهي تحالف داخلي منقسم من الفصائل المناهضة للحوثيين يسيطر على جنوب وشرق البلاد.
ومن شأن هذا النوع من العمليات الأرضية، إلى جانب القوة الجوية، أن يشكل وسيلة فعالة للضغط على الجماعة وزعزعة قبضتها على السلطة – وإن كان ذلك يحمل مخاطر كبيرة.
كانت إدارة ترامب محقة في محاولة إيجاد مخرج لحملة جوية مكلفة ومفتوحة النهاية، لكن الخيار الذي اتخذته قد يؤدي إلى ضرر أكبر من النفع. وإذا لم تنسق واشنطن سريعًا مع حلفائها في المنطقة، وخصوصًا السعودية، لفرض ضغط عسكري واقتصادي وسياسي أوسع على الحوثيين، فستستمر الجماعة في زعزعة الاستقرار في اليمن والمنطقة ككل.
وهناك بديل أفضل: من خلال دعم الأمم المتحدة وجهود وسطاء مثل سلطنة عمان، يمكن للولايات المتحدة وحلفائها الدفع نحو تسوية سياسية أوسع في اليمن، من شأنها تقييد القدرات والطموحات العسكرية للحوثيين. وقد يبدو ذلك تحديًا كبيرًا، لكنه أقل تكلفة بكثير من البدائل. وفي غياب هذه الجهود، سيستعيد الحوثيون قوتهم وقد يعاودون الظهور كتهديد أمني مماثل لذلك الذي دفع إدارة ترامب إلى شن حملتها في المقام الأول.
- ركوبٌ خشن
منذ البداية، كانت حملة إدارة ترامب ضد الحوثيين محاطة بالتناقضات. فالإدارة قدّمت مبرراتها بأنها تدافع عن حرية الملاحة، لكن الحوثيين لم يهاجموا في الواقع السفن الأميركية إلا بعد بدء الغارات الجوية الأميركية. وفي الأشهر التي سبقت الحملة، كانت هجماتهم مركزة على السفن "المرتبطة بإسرائيل"، واستهدفت معظمها شركات نقل تجارية يملكها أو يديرها أو يُزعم أنها مرتبطة بأفراد أو شركات إسرائيلية.
ولم يبدأ الحوثيون باستهداف السفن الأميركية أو السفن المرتبطة بالولايات المتحدة إلا بعد أن قصفت الولايات المتحدة أهدافًا في اليمن. وردًا على ذلك، وسّعت الجماعة عملياتها لتشمل سفنًا مملوكة لشركات أميركية أو مرتبطة بها، وحتى بعض السفن التي لم يكن لها أي صلة واضحة بالولايات المتحدة أو إسرائيل.
وبحلول الوقت الذي بدأت فيه الحملة الجوية الأميركية في مارس، كانت واشنطن قد نفذت بالفعل عدة جولات من الضربات الجوية والصاروخية في اليمن منذ يناير، بمشاركة المملكة المتحدة في بعضها. لكن هذه الضربات فشلت في ردع الحوثيين، بل على العكس، أدت إلى توسعهم.
وبحلول نهاية أبريل، تبنّى الحوثيون تنفيذ 54 هجومًا على الشحن في البحر الأحمر وخليج عدن والمحيط الهندي. وعلى الرغم من أن معظم هذه الهجمات لم تكن فعالة – وغالبًا ما كانت تفشل الصواريخ أو الطائرات المسيّرة في إصابة أهدافها أو تُسقَط – إلا أن القليل منها أصاب أهدافًا وألحق أضرارًا حقيقية. ومنذ بداية حملة "الفارس الخشن"، أصاب الحوثيون ثلاث سفن واحتجزوا رابعة، ويُعتقد أنهم أغرقوا سفينة واحدة على الأقل.
حتى عندما أصابت الغارات الجوية الأميركية أهدافًا عسكرية حوثية، كانت نتائجها محدودة. فالضربات لم تضعف القدرات الصاروخية والطائرات المسيّرة لدى الحوثيين بشكل كبير، نظرًا لأنهم أنشأوا بنية تحتية متقدمة لنقل هذه المعدات وإخفائها عبر شبكة من الأنفاق والمخابئ. ونجحت الجماعة في تجنب الهجمات الجوية وتحريك الأسلحة وإطلاقها من مواقع مختلفة. كما أن خسائرها البشرية، بما في ذلك مقتل عدد من القادة العسكريين، لم تضعف الروح المعنوية للحوثيين أو تقلل من قدرتهم القتالية.
في الواقع، بدا أن الحملة تعزز الدعم الشعبي للحوثيين في مناطق سيطرتهم، حيث صُوّرت الضربات الأميركية على أنها عدوان خارجي ضد اليمن بأكمله، وليس فقط ضد الجماعة المسلحة. واستغل الحوثيون هذه السردية لتجنيد المقاتلين، وتنظيم المسيرات، وتعزيز خطاب "المقاومة" في الداخل والخارج.
- اختبار الصمود
لكن حملة الضغط التي شنّتها إدارة ترامب كانت محدودة، وبعد أسابيع قليلة بدأ تأثيرها يتضح. فقد كانت القوات الأميركية تستهدف أهداف الحوثيين يوميًا تقريبًا، باستخدام كميات ضخمة من الذخائر، وادّعى البنتاغون أنه قتل العديد من قادة الحوثيين.
لكن لا يوجد دليل على أن كبار قادة الجماعة قد تم القضاء عليهم؛ فحلقة القيادة الداخلية ما تزال قائمة. ومن المهم أيضًا أن قدرة الحوثيين على استهداف الأهداف الأميركية والإسرائيلية لم تتأثر بشكل كبير.
من جهتهم، ادّعى الحوثيون أنهم أسقطوا على الأقل سبع طائرات أميركية مسيّرة من طراز "ريبر"، حيث تكلف الطائرة الواحدة حوالي 30 مليون دولار، منذ مارس. وفي 28 أبريل، فقدت طائرة مقاتلة أميركية من طراز "إف-35" بقيمة 60 مليون دولار في البحر عندما قامت حاملة الطائرات بتغيير مسارها بسرعة لتجنب نيران الحوثيين. وفي أوائل مايو، تمكن الحوثيون من اختراق الدفاعات الجوية الإسرائيلية بصاروخ، وأصابوا هدفًا قرب مطار تل أبيب، مما دفع إسرائيل للرد بعنف.
باختصار، كانت المكاسب التكتيكية الأميركية تأتي بتكلفة متزايدة وبمخاطر جسيمة. كان من المتوقع أن تؤدي العمليات المستمرة إلى ارتفاع فرص مقتل أفراد من الخدمة العسكرية الأميركية، وهو سيناريو كان سيزيد من تورط واشنطن في الصراع. كما كانت الولايات المتحدة تستهلك الذخائر بمعدل ينذر بالخطر.
كان البنتاغون يكافح بالفعل لتلبية الطلب على الأسلحة، بعد أن كان قد التزم مسبقًا بتوفير الأسلحة لإسرائيل وأوكرانيا، بالإضافة إلى الضربات الأميركية ضد الحوثيين وجهود الدفاع عن إسرائيل ضد الهجمات الإيرانية المباشرة.
علاوة على ذلك، كانت الضربات الجوية الأميركية تؤدي إلى إلحاق أضرار بالمدنيين والبنية التحتية المدنية في اليمن، وهو أمر استغله الإعلام الحوثي لصالحه. على سبيل المثال، أسفر هجوم أميركي في منتصف أبريل على ميناء وحقل تصدير الوقود في رأس عيسى في الحديدة عن مقتل أكثر من 70 يمنيًا، وكان هناك أيضًا هجوم في أوائل مايو على مركز اعتقال تابع للحوثيين في الحديدة كان يضم مهاجرين أفارقة، مما أسفر عن مقتل العشرات، بينهم مدنيون.
وقد أظهرت أحداث الحرب الأهلية السابقة أن مثل هذه الحوادث لا تضعف الدعم الداخلي للحوثيين، بل على العكس، فهي تتيح لهم تحويل النقد الموجه ضدهم إلى معركة ضد "العدوان الخارجي"، مما يزيد من تأييد الشعب اليمني لهم.
منذ بداية الحملة الأميركية، كان الحوثيون يعتقدون أنهم يستطيعون الصمود لفترة أطول من الولايات المتحدة – وقد فعلوا ذلك. من المهم أيضًا أن الهدنة قد أطاحت بآمال الحكومة اليمنية في الحصول على دعم أميركي لشن حملة برية، وهناك فرصة حقيقية لأن الحكومة اليمنية المنقسمة بالفعل قد تنهار تحت وطأة الضغوط المالية التي كانت تتراكم منذ أن عرقل الحوثيون صادرات النفط في أواخر 2022، بالإضافة إلى "انتصار" الحوثيين المُدرك.
انهيار محتمل للحكومة سيؤدي إلى توسع الحوثيين في الأراضي، أو قد يتيح لتنظيم القاعدة تحقيق مكاسب في المناطق الجنوبية من البلاد. المملكة العربية السعودية، التي كانت بالفعل قلقة بشأن موثوقية واشنطن كشريك أمني، ستضطر الآن إلى التعامل مع حركة حوثية منهكة لكنها أكثر جرأة على حدودها الجنوبية.
- التصعيد لا يجدي نفعًا
رغم هذا، كانت واشنطن حريصة على تجنب التورط في حرب أوسع في الشرق الأوسط. لذلك، لم تتبع الضربات الجوية بحملة برية، ولم تحاول تغيير النظام في صنعاء أو احتلال الأراضي اليمنية، بل ركزت على ردع الحوثيين فقط. لكن هذا التوجه وضع الولايات المتحدة في موقف صعب: فهي كانت تنفق موارد كبيرة وتتكبد خسائر متزايدة، دون أن تحقق النتيجة المرجوة، بينما استطاع الحوثيون الاستفادة من الوضع لتعزيز مكانتهم الداخلية والإقليمية.
في هذه الأثناء، سعت أطراف إقليمية، مثل سلطنة عمان وقطر، إلى التوسط لإيجاد تسوية، وعاد الحديث عن الحاجة لحل دبلوماسي. بالنسبة للحوثيين، فإن الصمود أمام الحملة الأميركية منحهم نفوذًا أكبر في أي مفاوضات مقبلة، وأثبت قدرتهم على مجابهة قوة عظمى، وهو ما جعلهم طرفًا لا يمكن تجاهله في الترتيبات السياسية في اليمن.
- نحو تسوية سياسية
وفي الوقت نفسه، أدركت واشنطن أن معالجة التهديد الحوثي تتطلب مقاربة أوسع تشمل إنهاء الحرب الأهلية اليمنية، ورفع الحصار، وتقديم ضمانات لدمج الحوثيين في أي حكومة يمنية مقبلة. كما تزايد الضغط الداخلي من الكونغرس الأميركي لوقف الدعم غير المشروط للحرب، خاصة مع تزايد الضحايا المدنيين وانتقادات المنظمات الحقوقية.
بالنسبة للسعودية، التي كانت قد بدأت بالفعل في الانخراط بمحادثات مباشرة مع الحوثيين قبل حرب غزة، فإن إنهاء الحرب في اليمن بات أولوية استراتيجية، خاصة في ظل مساعيها لتنمية اقتصادها الوطني وتجنّب أي تهديدات أمنية مستمرة على حدودها الجنوبية. كما أبدت الإمارات استعدادًا للتعاون في أي تسوية تضمن حماية مصالحها في جنوب اليمن ومضيق باب المندب.
التحول في مواقف الأطراف الإقليمية والدولية يشير إلى أن اللحظة قد تكون مواتية لدفع مسار السلام قدمًا. غير أن ذلك سيتطلب تنازلات صعبة من جميع الأطراف، ورؤية شاملة تعالج جذور الصراع، وليس فقط مظاهره العسكرية.
* أبريل لونغلي آلي هي خبيرة سابقة في شؤون دول الخليج واليمن في معهد الولايات المتحدة للسلام.
**عن موقع فورين افيرز
ترجمة خاصة بالـ"الأيام"