> «الأيام» علوي بن سميط:

لذلك فإن نتيجة الجائزتين هي الخطوة نحو المزيد، ويؤكد صحفي من باكستان هو السيد مورتاز شيخ بأن شبام وعماراتها تمنح الإنسان الشعور بعظمة الحياة، إنها قلعة كبيرة بوسطها تختلف الأنشطة اليومية. وقال لي مصور صحفي ماليزي إنه يتمنى التقاط كمّ كبير من الصور لاستشكاف المزيد من عظمة هذه المدينة وتفرد مشروعها الذي فاز ومازال مستمرا.. في ماليزيا أرض التنوع أكثر من 58 صحيفة إلى جانب صحف صادرة باللغات المحلية في عدد من الولايات.
على الرغم من انقضاء يوم الاحتفاء بذكرى الاستقلال فإن الماليزيين يرفعون العلم الماليزي من شرفات العمارات الشاهقة وفي المحال التجارية ولم أشاهد صوراً شخصية لزعيم وطني أو زعيم حزب حتى الحزب الحاكم في ماليزيا، ثقافتهم المتنوعة ودياناتهم المختلفة المتفقة بالتسامح جعلتهم يؤمنون بعلم الوطن وليس الأفراد، باحترام الآخر فكره وعقيدته، وهو ما يتجسد في الشارع الماليزي، ورغم أن عدد المسلمين هناك أكثر من الديانات الأخرى (%60 من السكان مسلمون) والديانة الرئيسية في ماليزيا هي الإسلام لكنك لن ترى تعالياً أو سيطرة للأغلبية الدينية على الديانات البوذية أو الهندوسية أو المسيحية، كما أن السكان الملايو يشكلون %25 وتتوزع النسبة المتبقية على السكان الصينيين والهنود والأقليات الأخرى، والملايو الذين هم السكان الأصليون لا يستأثرون بشيء على الآخرين، وإجمالا فإن سكان ماليزيا 26 مليون نسمة موزعين على مساحة 329.750 كم لذلك فإن التنوع أوجد الاتفاق بدلاً من الاختلاف أو التناقضات، ولعل سر نجاح التعايش يعود للعقلية الماليزية وشعور الكل بالتساوي فلا الأقلية تتبع الأغلبية ولا الثروة أو الفرص لدين أو لعرق دون آخر فالاحتكام للدستور، فماليزيا ملكية دستورية ولهذا بدا الاستقرار واضحاً والاتفاق جلياً وإن وجدت تباينات بين الأعراق فإنها لا تصل إلى مستوى مقلق، وليس بغريب أن تشاهد في شارع واحد طويل معبداً في طرفه ومسجداً في وسطه ومبنى لديانة أخرى في نهايته، وهنا يؤكد الماليزيون التعايش، ولعلي أستشف أن المسلمين - وهم الغالبية - بتسامحهم وحبهم للآخر قدموا بلادهم ماليزيا كأنموذج للدولة الإسلامية أو ذات الغالبية المسلمة أمام العالم وفي هذا العصر وربما أحسنوا التصرف أكثر من دول عربية مسلمة %100 من حيث تعاملهم.. ولامست خلال ستة أيام كيف يتصرف المسلمون بنموذج الاعتدال مع الالتزام العبادي وليس الالتزام الظاهري الريائي، إنهم نموذج المسلم الذي يرد بالتكنولوجيا على من يصم المسلمين بالتخلف والرجعية.. الماليزيون ماضون في تحقيق أحلامهم، فالتنوع عندهم خلق الوئام والسلام الاجتماعي، وتحدثت مع كثيرين في هذا ولم يذكروا حالات هزت هذا التماسك سوى أحداث مايو 69م التي سوف نتطرق إليها في حلقة قادمة، إذ أضحت مجرد ذكرى لا يفضلون خوض تفاصيلها.
د. زيد: على الحكومة إعادة النظر
ولأنها أرض التنوع حللنا بها أياماً من مختلف بقاع العالم: من الأمريكيتين وآسيا وأوروبا وأفريقيا، وبمختلف اللغات والألوان تجمعنا على أرض المملكة وتحت سقف الجائزة.. وعن الانطباعات تقول الآنسة رانيا المالكي (من مصر) رئيس تحرير «ديلي نيوز ايجبت» اليومية الإنجليزية: «انطباعاتي أن الجائزة مهمة جداً وتشجع التقليدي والجديد للمجتمعات، وأهم ما في جائزة الآغاخان أن فيها جزءاً ينظر للمستقبل، وتنظر إلى مجتمعات مختلفة بينها حدود وقارات، فالجائزة تتحدث لتقول انظروا كيف يحافظ الناس على عمرانهم كيف يعيشون، خذ مثلاً العالم ينظر إلى شبام ويقول: الناس متمسكة بالعيش في العمارات الطينية بتراثها المعماري، لذلك فإن الجائزة لمشروع شبام تشجع مجتمع هذه المدينة الجميلة التي ربما لم يول أحد اهتماماً بها من قبل، وجاءت الجائزة لتؤكد أنك تسكن وتعيش في مدينة مهمة، وحسب ما فهمته أن مشروع ترميم بيوت المدينة مستمر ولم ينته، وهذا جميل، والأجمل أن المشروع يعمل في اتجاهات عديدة لتأهيل المجتمع بالدرجة الأولى، شبام حاجة فريدة من نوعها لذلك لفت نظري وإعجابي مشروع شبام ومشروع المدرسة التي فازت ببنجلادش، فالمشروعان استفادا من طاقات الناس وأشركا الناس في التنفيذ وإرساء مفاهيم مفيدة قطعاً سوف تجنى ثمارها مستقبلا».
وعن شعوره عند استلام شهادة الجائزة ودور هيئة الحفاظ على المدن التاريخية، يقول المهندس د. عبدالله زيد عيسى، رئيس الهيئة العامة للمدن بالجمهورية: «شعورنا لا يوصف نحن والفريق الذي جاء من شبام حضرموت، وهم الذين كان لهم الدور الأساسي في القيام بمهمة الترميم والحفاظ على المدينة، هذا الشعور يدعو للفخر والاعتزاز، ويزيدنا فخراً أن اليمن حصلت على نصيب الأسد من الجوائز التسع في هذه الدورة، والجميع سعيد، أما فيما يخص اهتمام الهيئة بالمدن التاريخية فهو واسع وكبير ونأمل أن يمتد ويتوسع بما يتوافق وحجم تراثنا ومدننا التاريخية المنتشرة في عموم اليمن. والمؤلم والمؤسف في اعتقادي هو أنه لا ترصد الميزانيات الكافية ولا الإمكانات اللازمة حتى نستطيع أن نقوم بالدور المطلوب لحماية هذا التراث وترميمه وصيانته وتأهيله، ويلاحظ أيضاً من حصل على جائزة الآغاخان سواء أكان من حضرموت أو رداع أو الجائزة السابقة (مسجد اسناف) لم نستطع الوصول إلى هذا المستوى إلا بدعم سخي من دول مانحة إضافة إلى ما تقدمه بلادنا، لكن إذا أردنا أن نتولى هذا الموضوع بشكل مستقل ومباشر فأعتقد أن على الحكومة أن تعيد النظر في مسألة الإمكانات للهيئة ومستحقات كادر الهيئة بحكم خصوصيات العمل إذ إن من يعمل في هذا المجال لا يجد بدائل أخرى للعمل في مجالات أخرى، هذا إذا أردنا إحداث نقلة نوعية للحفاظ على مدننا التراثية إذ يمثل التراث والمدن التاريخية ثروة قومية نحن كمسئولين نبذل جهداً كبيراً لتوصيل هذه الرسالة إلى أصحاب القرار (إلى الحكومة ممثلة برئاسة الوزراء وإلى الوزراء المعنيين) ولكن في اعتقادي نحن نحتاج إلى قرار سياسي لنعطي التراث اهتماماً أكبر مما هو الآن، فالحاصل الآن هو أننا نحصل على ميزانيات تشغيلية».
وعن وضع زبيد وواقعها كثالث مدينة بعد شبام وصنعاء مسجلة في قائمة التراث يقول رئيس الهيئة العامة للحفاظ على المدن التاريخية د. عبدالله زيد: «واقع زبيد مؤلم جداً لأنه لا يوجد سيطرة على الأمور، والسيطرة ليست بيدنا نحن في المدن التاريخية، بل يجب أن تتحرك الإدارات التنفيذية وعلى رأسها محافظ المحافظة وإذا لم يتبن موضوعها سنفقد هذه المدينة، وأمامنا مهلة سنتين إلى 2009م، وتصور يا أخي أن لدينا طموحاً لتسجيل مدن أخرى ومواقع ولكننا نصطدم بخطورة ربما إزالة زبيد من قائمة التراث العالمي، فعلينا خلال هذين العامين (المهلة التي أعطيت) أن نبذل جهوداً للحفاظ على زبيد، فلا بد أن تتضافر جهود الجميع من أعلى منصب في الدولة إلى أصغر مسئول بالمدينة ولا تكفي القرارات إذ لدينا قرارات وقوانين ولوائح تنفيذية، لكن الخطير والخطير جداً في بلدنا أن التنفيذ على الأرض لا يتم بدون متابعة من الجميع عن زبيد فإذا لم يحسوا بأهمية الموضوع سوف نخسر جميعاً».

الجائزة عبارة عن قطعتين من الجرانيت أعلاهما شعار جائزة الآغاخان محفوراً على كتلتي زجاج المصمار.. في حلقات أخرى ننقل صوراً عن مجتمع ماليزيا الحالم.