> «الأيام» عربي بوست

 أثار الظهور المفاجئ لقيادات إخوان اليمن في حزب الإصلاح اليمني، على مأدبة عشاء أقيمت بالعاصمة الإماراتية أبوظبي على شرف استقبال وليّ عهد أبوظبي محمد بن زايد وزير الخارجية البريطاني، الكثير من الجدل بين اليمنيين. وكان وزير الخارجية جيرمي هانت أنهى جولة في السعودية والإمارات لبحث مساعي وقف إطلاق النار في اليمن، وتداعيات مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي مطلع الشهر الماضي في قنصلية بلاده بإسطنبول التركية.

ورغم حالة العداء بين أبوظبي وحزب الإصلاح، وتصاعد حدة الهجمات الإعلامية بين الطرفين، فإن ظهور رئيس حزب الإصلاح محمد اليدومي وأمينه العام عبدالوهاب الآنسي في مأدبة العشاء، أثار موجة من الأسئلة. ولم يفصح الطرفان عن تفاصيل الزيارة غير المعلنة، واكتفى نائب رئيس الدائرة الإعلامية لحزب الإصلاح عدنان العديني بالقول إن «لقاء قيادة حزب الإصلاح بالأشقاء في قيادة دولة الإمارات خطوة مهمة وإيجابية».

ووفق مصدر في حزب الإصلاح فإن مسؤولين من الطرفين عقدوا لقاءات سابقة الأسبوع الماضي في العاصمة السعودية الرياض، التي يقيم فيها قادة الحزب، من أجل التمهيد للزيارة وبحث عدد من القضايا الشائكة. ووفق المصدر الذي فضّل عدم الكشف عن هويته في حديثه لـ«عربي بوست»، فإن الزيارة التي لم يعلن عنها في إعلام الحزب، جرت الاثنين الماضي.

ويوم الثلاثاء توجت تلك الزيارة باللقاء الثاني من نوعه، بين قيادة الإصلاح ووليّ عهد أبوظبي محمد بن زايد، حيث سبق وأن التقى الطرفان في الرياض مطلع العام الجاري، بحضور وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان.
عُقد اللقاء عقب مقتل الرئيس السابق علي عبدالله صالح على يد حلفائه مسلحي جماعة الحوثي، إثر انفصام عُرى التحالف بينهما، واندلعت على إثر ذلك معاركُ شرسةٌ بين الطرفين انتهت بمقتل صالح في منزله وسط صنعاء في الثاني من ديسمبر 2017. وأشارت تقارير إعلامية إلى أن الحادث كان سبباً في تغير علاقة أبوظبي مع «الإصلاح»، بعد أن نظرت الإمارات للأخير كونه الوريث لصالح، باعتباره الحزب الأقوى في اليمن، لكن رياح مصالح الدولة الخليجية الطامعة في اليمن جرت بما لا تشتهيه سفن الحزب ذي الخلفية الإسلامية. فالإمارات ظلت ترى في الإصلاح عدواً مستتراً، وعملت على تقويض نفوذه خصوصاً في مدينة عدن، حسبما يرى مراقبون.

و بعد مرور شهور على اللقاء الأول لم يطرأ تغير على العلاقة بين الطرفين، فحالة التربص كانت قائمة في الوقت الذي تتصاعد حدة الخطاب العدائي من الإعلام الإماراتي والإعلام الموالي للإصلاح.
الأغرب في موقف الحزب، هو حالة التصالح من قِبل الحزب الذي زار أبوظبي. ووفقاً لذلك، يقول صالح الصريمي وهو أكاديمي ينتمي للإصلاح إن الزيارة تأتي في سياق توحيد الجهود لإنهاء انقلاب جماعة الحوثيين على حكومة الرئيس عبدربه منصور هادي، والإمارات تلعب دوراً محورياً في التحالف العربي الساعي لإنهاء الانقلاب». ويضيف: «حزب الإصلاح يعد من أهم الأحزاب الداعمة لحكومة هادي، ومن هنا جاءت زيارة قيادة حزب الإصلاح للإمارات، التي تتفق مع الإصلاح في دعم الشرعية وإنهاء الانقلاب وإعادة بسط نفوذ الدولة».

توقيت التقارب بين الطرفين كان محل شك، خصوصاً أنه جاء بعد يومين فقط من مهاجمة الحزب للدور القطري في اليمن، إذ اتهم الأخير الدوحة بلعب أدواراً غير مقبولة في اليمن، ودعم جماعة الحوثيين.
وهذه هي المرة الأولى التي يتبنى فيها الإصلاح خطاباً من هذا النوع بعد أن ظل طيلة الفترة الماضية ينأى بنفسه عن الأزمة الخليجية والاصطفافات الحادة والحرب الإعلامية التي رافقتها ولا تزال، وفق مراقبون.

وأبدى أكرم عبده وهو عضو في الحزب امتعاضه من التقارب الأخير على حساب دولة شقيقة لم تسء إلى أحد. وقال إن الإمارات وكأنها مارست ضغوطاً لشيطنة قطر في اليمن مقابل سياسة الرضا للحزب الذي يحاول أن يبقى على «شعرة معاوية» بين الطرفين، لكن نحن نبحث عن علاقات ندية بين الطرفين. بينما هاجم الكاتب محمد العليمي عدنان العديني وكتب أن «سياسة الانبطاح لن تفيد اليمن».

لكن الباحث السياسي محمد إبراهيم يقول إن العلاقة بين الطرفين معقدة بالنظر إلى مستوى الخلافات، خصوصاً فيما يتعلق بالأوضاع في جنوبي البلاد، ومدينة تعز، بالإضافة إلى التحقيق الذي نشرته الصحيفة الأميركية «بزفيد نيوز». ويضيف أن الطرفين يبحثان عن مصلحة، خصوصاً أن علاقة الإمارات بالرئيس اليمني هادي متوترة وتكاد تكون منقطعة خلال الآونة الأخيرة، ولذلك قد تبحث الإمارات عن طرف فاعل في القضية اليمنية.

ويشير إلى أن العلاقات بين الدول والجماعات تحكمها الثقة المتبادلة والمصلحة المتفق عليها، لكن في حال الوضع الحالي الذي يحكم أبوظبي والإصلاح فإن ما حدث هو تكتيك جديد من الطرفين أكثر منه اتفاق على بدء عهد جديد.

 ويذهب إبراهيم إلى أبعد من ذلك، حيث يمثل سيناريو إبعاد الرئيس هادي عن سدة الحكم في اليمن -وهو الذي يقيم في الولايات المتحدة الأميركية منذ منتصف أكتوبر الماضي بغية الاستشفاء- أمر قد دُبر بليل، وهو يسعى بذلك إلى تفاهمات مع الإصلاح. ومن المحتمل أن تدفع الإمارات بنائب الرئيس هادي، الفريق علي محسن الأحمر إلى منصب الرئيس، في الوقت الذي تتزايد الضغوط على التحالف السعودي الإماراتي بإنهاء حرب اليمن، وفق تسوية سياسية ربما قد يكون هادي ليس مشمولاً بها.

ويشير بعض المراقبين إلى أن نائب الرئيس اليمني اللواء علي محسن الأحمر، الذي مثّل الحكومة في «حوار المنامة»، هو المسؤول حالياً عن إدارة الأمور في هذا الوقت، وفي حال تدهورت صحة هادي، فإن الطريق سيكون سالكاً للأحمر من أجل الوصول إلى منصب الرئيس، وفق تقرير لإليانا ديلوزيي، وهي زميلة أبحاث في «برنامج برنستاين لشؤون الخليج وسياسة الطاقة» في معهد واشنطن. ووفق التقرير فإنه «من الناحية السياسية، فإن علي محسن يعد حليف لحزب الإصلاح، وتم تعيينه نائباً للرئيس، لأسباب تعود جزئياً إلى توقّع مساعدة علاقاته القبلية وخبرته العسكرية، وحالياً، يقضي وقته بين السعودية ومحافظة مأرب اليمنية، حيث يتمركز الآن العديد من مقاتلي حزب الإصلاح».​