> عامر سلطان
بعد عقدين من احتلالها الأراضي الفلسطينية، وضعت إسرائيل نهر النيل ضمن خطة شاملة لحل مشكلتها المائية التي وصلت إلى ما اعتبرته حينها نقطة تحول، حسبما تكشف وثائق بريطانية.
في حرب الأيام الستة عام 1967، احتلت إسرائيل الضفة الغربية بما فيها شرق القدس، وقطاع غزة، وأصبحت باعتبارها سلطة احتلال مسؤولة عن توفير المياه لسكان غزة، الذين لا يزال 90 % منهم يعانون حتى الآن، كما قالت الأمم المتحدة منذ شهور، أزمة في المياه الصالحة للشرب.
وفي عام 2005، اضطرت إسرائيل إلى الانسحاب من القطاع فيما وصفه الإسرائيليون بفض الارتباط من جانب واحد. وأخلت إسرائيل 21 مستوطنة يهودية فيه، غير أن الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية الدولية والكثير من دول العالم يصرون على اعتبار القطاع محتلا بسبب الحصار الإسرائيلي له.
ومنذ الاحتلال، اُدرجت مسألة المياه في الشرق الأوسط على قائمة اهتمامات بريطانيا التي ساهمت في عدد كبير من الفعاليات الدولية والإقليمية للبحث عن حلول، وفي عام 1987، أرسلت وزارة الخارجية البريطانية الدبلوماسي غريك شابلاند، ممثلها في المباحثات المتعددة الأطراف بشأن المياه في عملية السلام، إلى كلية الدراسات الشرقية والأفريقية "سواس" في جامعة لندن للتعمق في دراسة الملف.
- لا بد من سيطرة إسرائيل
وعرض المهندس يوشوا شوارز، المسؤول عن التخطيط المائي لإسرائيل في القرن الحادي والعشرين ومدير إدارة التخطيط الشامل في المؤسسة الإسرائيلية للمياه "تاهال"، وضع البلاد المائي.
• كمية المياه المتاحة لدولة إسرائيل من كل المصادر أقل من الطلب، لذلك فإنه من الضروري توسيع قاعدة الموارد المائية.
• شبكة إمدادات المياه في إسرائيل تصل حاليا إلى نقطة تحول، فبعد فترة طويلة من التنمية التي استهدفت دعم نمو الاقتصاد، والتوزيع المخطط للسكان، حان الوقت كي يُوجه المجهود الرئيسي إلى صيانة شبكات الإمدادات والموارد المائية الحالية وحماية جودة مياه الشرب التي نحتاج إليها.
• في السنوات الأخيرة، تقلصت بدرجة خطيرة الاحتياطات الفاعلة ومخزون المياه الجوفية، ووصلت مستويات الحفر بحثا عن المياه إلى أعماق غير مسبوقة. وهذا سيؤدي إلى انخفاض حاد في إمدادات المياه في السنوات القادمة.
• الاستغلال الخارج عن السيطرة للمياه الجوفية في يهودا والسامرا (الضفة الغربية) يمكن أن يؤدي إلى تدمير الموارد الحيوية لإمدادات المياه.
• أي اتفاق (مع الفلسطينيين) في يهودا والسامرا يجب أن يتضمن حكم وسيطرة حكومة إسرائيل المستمرين على الموارد المائية وإدارتها وتنميتها.
أفردت دراسة المسؤول الإسرائيلي قسما خاصا عن "إمدادات المياه إلى سكان قطاع غزة"، المحاط بعدد كبير من المستوطنات التي تحتاج إلى المياه للأغراض الحياتية والزراعية.
• مصدر المياه لقطاع غزة هو مياه جوفية رملية ورملية حجرية، وهو امتداد لمسار المياه السطحية الساحلية في جنوب إسرائيل.
• تُستغل هذه المياه بمعدل يبلغ ضعف تقديرات كميات المياه المتجددة.
• مستوى ملوحة المياه الجوفية الحالي سيفرض الحد من استخراج المياه. وبالتالي، فإنه ربما ينبغي التخلي عن جزء كبير من زراعات المحاصيل الحمضية في المنطقة، بل ربما يُتوقع ظهور صعوبات في إمدادات المياه الصالحة للشرب.
• في الوقت نفسه، وُضعت خطط لتوفير ما بين 25 و40 مليون متر مكعب من مياه الشرب التي تُزوّد بها غزة من الشبكة الوطنية (الإسرائيلية) مقابل مياه تُنقل من نهر اليرموك إلى إسرائيل. ولكن هذه الخطة وضعت في الدرج مع تعليق المفاوضات السياسية.
- مشروعات هندسية رائعة
في هذا السياق تحدثت الخطة الإسرائيلية عن مياه النيل خيارا لحل مشكلة غزة المائية، وتخفيف العبء عن شبكة المياه الإسرائيلية.
وتتضمن الخطة ضرورة إبرام "معاهدة إقليمية شاملة تدعمها الدول المجاورة والقوى العظمى".
وقال "أثبتت الخطط الجدوى الاقتصادية لبيع المياه من جانب الدول المجاورة وشراء إسرائيل لها بالمال أو المقابل الاقتصادي مثل الكهرباء".
واعترف مسؤول التخطيط المائي الإسرائيلي بأن تعاونا مماثلا في الشرق الأوسط يحتاج إلى توفر بيئة سياسية مواتية.
وختم شوارز دراسته، التي جاءت في 27 صفحة، بالتأكيد مجددا على أنه "في السنوات الأخيرة تقلصت بدرجة خطيرة الاحتياطات الفاعلة ومخزون المياه الجوفية ( في إسرائيل)، ووصلت مستويات الحفر بحثا عن المياه إلى أعماق غير مسبوقة"، وحذر من أن "هذا الموقف يؤدي إلى انخفاض حاد في إمداد المياه في السنوات القادمة".
وفي تقييمها للدراسة الإسرائيلية، استطلعت الإدارة رأي الدكتور جيمس بيتش، رئيس قسم الجغرافيا في جامعة سالفورد.
• تعاني غزة أصعب مشكلات موارد المياه مقارنة بالضفة الغربية ومرتفعات الجولان المحتلتين.
• غزة مكتظة بالسكان (بما فيهم سكان المستوطنات اليهودية الـ 21) وتعتمد على إسرائيل في إمدادات المياه وفي معالجتها.
• شعب غزة يصبح أكثر اندماجا في الحياة الإسرائيلية بدرجة أكبر من الضفة الغربية. وهذا يثير، في المستقبل، توقعات بمعدل أعلى لاستهلاك المياه للفرد من أقاربهم في الضفة الغربية.
• غزة لديها (مشكلة) تتعلق بإمدادات مائية محلية غير كافية بشكل ميؤوس من حلها.
وقال "إمكانية تزويد غزة بمياه النيل، الذي تثيره ورقة شوارز، حل ليس له فرصة للنجاح".
ووصفت إدارة الشرق الأوسط الدراسة الإسرائيلية بأنها "أكثر المواد التي تلقيناها عن الموضوع قيمة خلال السنوات الأربع الماضية وربما أكثرها على الإطلاق".
- مؤشرات على موافقة مصرية
وقالت "لا شك أن الدكتور بيتش مهتم بألا تتضرر علاقاته التي من الواضح أنها وثيقة مع السلطات المعنية في إسرائيل".
ولما عُرض المشروع، الذي طُرح في شهر فبراير عام 1992، على القنصلية البريطانية في القدس، ردت قائلة "نرحب من حيث المبدأ بفكرة أنه ينبغي علينا دعم تنمية القدرات الفلسطينية في قطاع المياه".
ونبهت إلى أن المياه "ستكون عنصرا رئيسيا في اتفاق بشأن ترتيبات حكم ذاتي للفلسطينيين في عملية السلام".
بعد أقل من شهر، شاركت الخارجية في حلقة نقاش بحثية مغلقة تحت عنوان "المياه في الشرق الأوسط: صراع أم تعاون".
وعرض البروفيسور هيليل أشعيا شوفال، مؤسس أول برنامج لحماية البيئة في إسرائيل، بدائل منها توفير المياه من نهر النيل. وقال "هذا سيكون، كحل مؤقت، أرخص من إنشاء محطات تحلية، وأكد أن "هناك مؤشرات على أن المصريين سيوافقون على تزويد غزة بالمياه".
• ندرة المياه في غزة أخطر مما تحدثت عنه التقارير سابقا.
• ملوحة المياه الجوفية في القطاع تزيد باطراد خلال السنوات الأخيرة .
• مستويات النترات (في المياه) عموما تجاوزت مستويات منظمة الصحة العالمية لمياه الشرب.
• هناك إفراط في استغلال المياه الجوفية السطحية في غزة بمعدل 35 مليون متر مكعب سنويا .
وعرضت الدراسة المقترحات التالية: توفير المياه النقية من مصر، تحلية المياه الجوفية المالحة أو مياه البحر، التخلي عن زراعة المحاصيل التي تحتاج إلى قدر كبير من المياه مثل الحمضيات لحماية جودة المياه الجوفية.
- تجاهل إثيوبي مدهش
وتكشف الوثائق أن اهتمام مسؤولي المياه الإسرائيليين بالتعاون مع إثيوبيا، منبع النيل، بشأن المياه يعود إلى العقد الأول بعد إعلان دولة إسرائيل.
وحسب السفارة، فإن أحد أهداف الزيارة هو "إقامة فرع للمؤسسة في إثيوبيا".
وبعد 21 عاما، لفت انتباه البريطانيين غض إثيوبيا الطرف عن عرض الرئيس المصري الراحل أنور السادات نقل مياه النيل إلى إسرائيل.
وفي تقييمها لوجاهة الشكوى، أشارت السفارة البريطانية بالقاهرة، في برقية سرية إلى لندن، إلى أن الموقف المصري قانوني ولم يخالف الاتفاقات التي تنظم استخدام مياه النيل.
مرت 14 عاما بعد الشكوى الإثيوبية، ليبشر الرئيس الإسرائيلي الراحل شمعون بيريز بتعاون إقليمي بشأن موارد المياه في الشرق الأوسط.
وفي التطبيق، قال بيريز إن "الحل الأفضل يكمن في مد خطوط أنابيب لنقل المياه من بلد لآخر، ومثل هذه الخطوط التي قد تنقل المياه والنفط والغاز يجب أن تقام بموجب سياسة اقتصادية رشيدة ولا تقوم على المخاوف الاستراتيجية القديمة".
بي بي سي نيوز عربي