وقد آثر عقبة أن يعرج -بمن بقي معه من الجنود- على مدينة "تهوذة" في أحواز نهر الزاب، للاستيلاء عليها، وإقامة حامية من فرسانه دائمة فيها. وهنا يظهر على مسرح الأحداث الزعيم البربري "كسيلة". وكان قد استطاع الفرار من جيش عقبة، وأخذ يتحين الفرصة المناسبة للقضاء عليه. وكان عيون الروم وجواسيسهم في هذه المنطقة قد بعثوا إليه، "فأعلموه بقلة من معه -أي عقبة- فجمع له جمعا كبير من الروم والبربر "قدر بخمسين ألف مقاتل" وزحف إليه ليلا حتى نزل بالقرب منه".
ولم تكن إساءة عقبة إلى "كسيلة" -رغم ما نراه من بعض المبالغة فيما أوردته المصادر بشأنها -هي السبب الوحيد في التفاف هذا الحشد الهائل من البربر والروم، ولكن السبب الأهم هو أن عقبة استطاع أن يفل جمعهم، ويشتت شملهم، وينتصر عليهم في كل المواقع التي خاضها ضدهم، وهذا هو الذي أزعجهم، وأوجد نوعا من التوافق أو التعاطف بينهم، فما زالوا يتربصون به حتى واتتهم الفرصة عندما انفرد بعيدا عن جيشه فتمكنوا من القضاء عليه.
ويروي ابن عذارى قصة هذه الكارثة التي وقعت "سنة 63هـ- أو 64هـ/ 681-682م" فيقول: "لما وصل عقبة إلى مدينة "طبنة" أمر أصحابه، فتقدموا ثقة منه بما دوخ من البلاد، وأنه لا يقوم له أحد، لينفذ قدر الله ومراده، ويتعجل لعبده من كرامته ميعاده. وفصرف أصحابه إلى منازلهم عند قربهم منها، وسار هو إلى مندينة "تهوذة" لينظر فيمن يصلح لها من الفرسان. فلما انتهى إليها في بقية من معه وكانوا قليلا نظر الروم إليهم، فطمعوا فيهم، فأغلقوا باب حصنهم، وجعلوا يشتمونه ويرمونه بالحجارة والنبل، وهو يدعوهم إلى الله عز وجل. فلما توسط البلاد بعث الروم إلى كيسلة بن لمزم الأوربي ... ". ويكمل ابن عذارى سير الأحداث -في موضع آخر قائلا: "فانتهز كسيلة فرصة فنكث، وقام في أهل بيته وقبائله من البربر. فقال أبو المهاجر لعبة: عاجله قبل أن يستعجل أمره. فوقف إليه عقبة، فتنحى "كسيلة" أمامه، فقالت له البربر: لم تنتحي عنه، وهو في خمسة آلاف، ونحن في خمسين ألفا في الزيادة، والرجل ليس عنده من يمده، وقد سار عنه أصحابه؟! فركبه البربر في الجيوش العظيمة "أي قودوه عليهم" وغشيه بهم كسيلة بقرب من تهوذا. فنزل عقبة -رضي الله عنه- وركع ركعتين وقال لأبي المهاجر: الحق بالمسلمين فقم بأمرهم، فأنا أغتنم الشهادة. فقال له: وأنا والله أغتنمها معك. فكسر كل واحد منهما جفن سيفه، وكسر المسلمون كذلك أغماد سيوفهم، وأمرهم أن يترجلوا عن خيولهم، فقاتلوا قتالا شديدا حتى بلغ منهم الجهد، وكثر فيهم الجراح، وتكاثر عليهم العدو، فقتل عقبة وأبو المهاجر، ومن كان معهما من المسلمين، ولم يفلت منهم أحد إلا بعض وجوههم أسروا ... ".
وهكذا كان عدم الحذر -حتى بعد الانتصار- هو السبب الذي مكن الروم والبربر من التجمع واغتنام الفرصة الحاسمة، وقد دوى خبر مقتل عقبة في إفريقية والمغرب دويا هائلا، وكان له أثر عميق في نفوس المسلمين. وكان "كسيلة" قد زحف بجيوش لا حصر لها إلى القيروان، "فانقلبت إفريقية نارا وعظم على المسلمين، فخرجوا هاربين". ولم يبق في القيروان إلا الشيوخ والنساء والأطفال وكل مثقل بالأولاد، فأرسلوا إلى "كسيلة" يسألونه الأمان فأجابهم إلى ذلك، ودخل المدينة في المحرم "سنة 64هـ-682م" وجلس في قصر الإمارة أميرا على البربر ومن بقي في القيروان من العرب.
ويتفق المؤرخون على أن زهير بن قيس خليفة عقبة على القيروان أراد -بعد كارثة "تهوذة"- أن يقاتل كسيلة بمن بقي من الجيش، ويداف عن المدينة، وخطب في الناس قائلا: "يا معشر المسلمين، إن أصحابكم قد دخلوا الجنة، وقد من الله عليهم بالشهادة، فاسلكوا سبيلهم، ويفتح الله لكم دون ذلك". فاعترض عليه حنش الصنعاني "وهو من التابعين، وممن اشترك في فتح الأندلس"، وطالبه بالانسحاب مع بقية الجيس إلى المشرق حتى لا يتعرض المسلمون لسيوف البربر، وقال: "لا والله ما نقبل قولك، ولا لك علينا ولاية، ولا عمل أفضل من النجاة بهذه العصابة "الجماعة" من المسلمين إلى مشرقهم". ثم قال: "يا معشر المسلمين، من أراد منكم القفول إلى مشرقه فليتبعني" فاتبعه الناس، ولم يبق مع زهير إلا أهل بيته وذويه، فاضطر إلى اللحاق بهم، ونزل بقصره في "برقة"، وأقام بهها مرابطا إلى أن ولي عبد الملك بن مروان الخلافة "سنة 65هـ-683م". وبهذا خرجت "إفريقية" من أيدي المسلمين، وتراجعوا إلى برقة التي كان عمرو بن العاص قد فتحها منذ أربعين سنة، وكان على من أتى بعد "عقبة" أن يبدأ العمل من جديد.
ولم تكن إساءة عقبة إلى "كسيلة" -رغم ما نراه من بعض المبالغة فيما أوردته المصادر بشأنها -هي السبب الوحيد في التفاف هذا الحشد الهائل من البربر والروم، ولكن السبب الأهم هو أن عقبة استطاع أن يفل جمعهم، ويشتت شملهم، وينتصر عليهم في كل المواقع التي خاضها ضدهم، وهذا هو الذي أزعجهم، وأوجد نوعا من التوافق أو التعاطف بينهم، فما زالوا يتربصون به حتى واتتهم الفرصة عندما انفرد بعيدا عن جيشه فتمكنوا من القضاء عليه.
ويروي ابن عذارى قصة هذه الكارثة التي وقعت "سنة 63هـ- أو 64هـ/ 681-682م" فيقول: "لما وصل عقبة إلى مدينة "طبنة" أمر أصحابه، فتقدموا ثقة منه بما دوخ من البلاد، وأنه لا يقوم له أحد، لينفذ قدر الله ومراده، ويتعجل لعبده من كرامته ميعاده. وفصرف أصحابه إلى منازلهم عند قربهم منها، وسار هو إلى مندينة "تهوذة" لينظر فيمن يصلح لها من الفرسان. فلما انتهى إليها في بقية من معه وكانوا قليلا نظر الروم إليهم، فطمعوا فيهم، فأغلقوا باب حصنهم، وجعلوا يشتمونه ويرمونه بالحجارة والنبل، وهو يدعوهم إلى الله عز وجل. فلما توسط البلاد بعث الروم إلى كيسلة بن لمزم الأوربي ... ". ويكمل ابن عذارى سير الأحداث -في موضع آخر قائلا: "فانتهز كسيلة فرصة فنكث، وقام في أهل بيته وقبائله من البربر. فقال أبو المهاجر لعبة: عاجله قبل أن يستعجل أمره. فوقف إليه عقبة، فتنحى "كسيلة" أمامه، فقالت له البربر: لم تنتحي عنه، وهو في خمسة آلاف، ونحن في خمسين ألفا في الزيادة، والرجل ليس عنده من يمده، وقد سار عنه أصحابه؟! فركبه البربر في الجيوش العظيمة "أي قودوه عليهم" وغشيه بهم كسيلة بقرب من تهوذا. فنزل عقبة -رضي الله عنه- وركع ركعتين وقال لأبي المهاجر: الحق بالمسلمين فقم بأمرهم، فأنا أغتنم الشهادة. فقال له: وأنا والله أغتنمها معك. فكسر كل واحد منهما جفن سيفه، وكسر المسلمون كذلك أغماد سيوفهم، وأمرهم أن يترجلوا عن خيولهم، فقاتلوا قتالا شديدا حتى بلغ منهم الجهد، وكثر فيهم الجراح، وتكاثر عليهم العدو، فقتل عقبة وأبو المهاجر، ومن كان معهما من المسلمين، ولم يفلت منهم أحد إلا بعض وجوههم أسروا ... ".
وهكذا كان عدم الحذر -حتى بعد الانتصار- هو السبب الذي مكن الروم والبربر من التجمع واغتنام الفرصة الحاسمة، وقد دوى خبر مقتل عقبة في إفريقية والمغرب دويا هائلا، وكان له أثر عميق في نفوس المسلمين. وكان "كسيلة" قد زحف بجيوش لا حصر لها إلى القيروان، "فانقلبت إفريقية نارا وعظم على المسلمين، فخرجوا هاربين". ولم يبق في القيروان إلا الشيوخ والنساء والأطفال وكل مثقل بالأولاد، فأرسلوا إلى "كسيلة" يسألونه الأمان فأجابهم إلى ذلك، ودخل المدينة في المحرم "سنة 64هـ-682م" وجلس في قصر الإمارة أميرا على البربر ومن بقي في القيروان من العرب.
ويتفق المؤرخون على أن زهير بن قيس خليفة عقبة على القيروان أراد -بعد كارثة "تهوذة"- أن يقاتل كسيلة بمن بقي من الجيش، ويداف عن المدينة، وخطب في الناس قائلا: "يا معشر المسلمين، إن أصحابكم قد دخلوا الجنة، وقد من الله عليهم بالشهادة، فاسلكوا سبيلهم، ويفتح الله لكم دون ذلك". فاعترض عليه حنش الصنعاني "وهو من التابعين، وممن اشترك في فتح الأندلس"، وطالبه بالانسحاب مع بقية الجيس إلى المشرق حتى لا يتعرض المسلمون لسيوف البربر، وقال: "لا والله ما نقبل قولك، ولا لك علينا ولاية، ولا عمل أفضل من النجاة بهذه العصابة "الجماعة" من المسلمين إلى مشرقهم". ثم قال: "يا معشر المسلمين، من أراد منكم القفول إلى مشرقه فليتبعني" فاتبعه الناس، ولم يبق مع زهير إلا أهل بيته وذويه، فاضطر إلى اللحاق بهم، ونزل بقصره في "برقة"، وأقام بهها مرابطا إلى أن ولي عبد الملك بن مروان الخلافة "سنة 65هـ-683م". وبهذا خرجت "إفريقية" من أيدي المسلمين، وتراجعوا إلى برقة التي كان عمرو بن العاص قد فتحها منذ أربعين سنة، وكان على من أتى بعد "عقبة" أن يبدأ العمل من جديد.