يقول ابن خلدون عن التملق:"إن الخضوع والتملق من أسباب حصول هذا الجاه المحصل للسعادة والكسب وأن أكثر أهل الثروة والسعادة بهذا التملق، ولهذا نجد الكثير ممن يتخلق بالترفع والشمم لا يحصل لهم غرض الجاه، فيقتصرون في التكسب على أعمالهم ويصيرون إلى الفقر والخصاصة".

يبدأ تمزيق المجتمعات من عند الناعقين بالمحاصصة المناطقية والقبلية والمذهبية، وكأن الأوطان غنيمة يمكن توزيعها بين هذه الفئات لكل حسب قوته، وتتجلى هذه المحاصصة من خلال توزيع الوظيفة العامة على أسس فئوية قبلية أو حزبية أو مناطقية مقيتة، أو من خلال تحالفات غير مشروعة سياسيًا واجتماعيًا لقوى طفيلية مع قوى ذات نفوذ أكبر منهم، إما داخلية أو خارجية، هؤلاء هم الأكثر تملقًا وتزلفًا بين السياسيين.

إن هؤلاء جميعهم سوى كبروا أم صغروا يجيدون أحداث الضجيج والأصوات العالية عن الوطن والنزاهة، وفي الأخير تجدهم أول من ينقلبون على من اعتقد فيهم خيرًا أو صدقهم واتبعهم فهم جميعًا لا يختلفون في أطماعهم الضيقة والبحث عن مكاسب، من خلال التزلف والتملق المقيت والهدف في الأخير غايات أنانية على حساب مصالح الشعب.

ففي حين يجري تجاهل الكفاءات وذوي الخبرات المهنية والسياسية من أهل النشأة والسلوك السليم، نجد هؤلاء المتملقين يمارسون الانتهازية ويتنقلون في الوظيفة العامة من وظيفة لأخرى، دون إنجاز يذكر لهم إلا جمع أكبر قدر من المكاسب الشخصية، هنا لا بد من الاعتراف أن لديهم القدرة على التقاط الفرص ووضع أنفسهم ووقتهم على جدول المناسبات السياسية والإعلامية وحتى الأعراس، بل وحفلات الختان كل ذلك لأجل الظهور في كل مناسبة صغرت أم كبرت.

أما الأقل شأنًا من هؤلاء المتملقين فهم يتاجرون في كل شيء، فلا ندوة تفوتهم ولا ورشة عمل تغيب عن راداراتهم، لتحدد جدول نشاطهم ولو متفرجون، فيكفيهم التقاط صور على الهامش مع بعض الحضور، ومن الحدث مباشرة على مواقع التواصل، ليبدو للمتابع كأنهم هم من وضع مشروع التوصيات والقرارات للمناسبة، بعدما أشبعها نقاشًا لكي يظهروا لمن لا يعرفهم، وكأنهم من ذوي الاهتمام بالشأن العام، في حين أن ما يهدفون إليه هو إلى التقرب من أصحاب النفوذ والقرار والتودد، لهم بحث عن منصب أو شهرة أو أقلها حفل عشاء أو غداء ومعها عزومة قات.

لا شك في أن هؤلاء المتملقين والمتزلفين تتاح لهم الفرص بشكل أكبر من غيرهم، لأن لديهم استعدادًا نفسيًا للتذلل وتلقي نظرات الاستصغار، بالطبع لا تنجح مساعيهم دائمًا لكن تظل لديهم نسبة نجاح مع كل هذه التنازلات عن الأنفة وكبرياء الذات ويحصدون الفرص أكثر ممن لا يقبلون بالتذلل أو التملق أو حتى المجاملة لمن لا يستحقها.

لذلك نجد هؤلاء ممن أدمنوا التزلف والتملق وفقدوا الاعتداد بالنفس أسرع وصولًا لتحقيق المكاسب الشخصية، خلافًا للآخرين وعلى النقيض، قد لا يكون أصحاب المبادئ موفقين دائمًا في كل أفعالهم، لكنهم حفظوا لأنفسهم كرامتهم وعزة أنفسهم وتاريخًا لا تشوبه شائبة، محترمين ذواتهم التي لم يعرضوها لأي شكل من قلة الاحترام أوالنيل من مكانتهم العالية بين الناس.