> الأيام العرب اللندنية:
لم يكن أكثر معارضي الرئيس السوري بشار الأسد تفاؤلا ولا أكثر مؤيديه تشاؤما يتوقع هذا الانهيار السريع والمفاجئ لنظام حكمه واختفاء جيشه حتى تدخل المعارضة المسلحة دمشق دون قتال، ما يدفع إلى التساؤل حول أسباب هذا الانهيار.
ولم تستغرق هذه التطورات أكثر من 10 أيام بعد أن تصور الكثيرون أن حكم بشار الأسد قد استعاد عافيته تماما وقضى على الثورة التي تفجرت ضده في 2011. فمنذ 2017 توقفت عمليات المعارضة المسلحة تقريبا، ونجح الرئيس السوري في استعادة السيطرة على حوالي ثلثي مساحة البلاد.
وبعد أن استعاد استقرار حكمه، بدأ الأسد يسافر إلى الخارج وزار موسكو وبكين والرياض وطهران وأبوظبي. وبدا أن الجميع قبلوا ولو على مضض، بأن حكم هذا الرجل القوي الوحشي سيبقى. وأصبح “التطبيع” مع سوريا هو شعار المرحلة ليس فقط للدول الشرق أوسطية وإنما لبعض الدول الغربية. ففي سبتمبر الماضي عينت إيطاليا أول سفير لها في دمشق بعد حوالي 13 عاما من تجميد العلاقات الدبلوماسية.
لكن بعد 10 أيام فقط من بدء الهجوم المفاجئ من جانب مسلحي تنظيم هيئة تحرير الشام المعارضة انهار هذا الاستقرار الذي نعم به نظام الأسد. وتبخر الجيش العربي السوري وترك جنوده مواقعهم وخلعوا ستراتهم العسكرية. واستولت المعارضة على العاصمة دمشق دون قتال وفرّ الأسد وأسرته إلى موسكو. وكان هذا السقوط السريع والسهل مفاجئا حتى للمعارضة.
وفي تحليل نشرته مجلة ناشيونال إنتريست الأميركية تحت عنوان “لماذا تنهار الجيوش؟” قال ستيوارت رايد الباحث الزميل البارز في مجلس العلاقات الخارجية الأميركي ومؤلف كتاب “مؤامرة لمومبا” إن هذا الاستسلام المفاجئ للجيش السوري جزء من تقليد راسخ لدى الجيوش القوية ظاهريا والهشة داخليا التي تنهار بسرعة في مواجهة تقدم المتمردين.
ففي عام 2021، انهار الجيش الأفغاني الذي دربته الولايات المتحدة وأنفقت عليه ما يصل إلى 83 مليار دولار في غضون أشهر مع صعود طالبان إلى السلطة.
وقبل ذلك، في العراق تبخرت قوات الجيش في عام 2014 أمام مسلحي تنظيم داعش الذين سيطروا على جزء كبير من البلاد، بما في ذلك مدينتا الفلوجة والموصل.
وفي نفس العام، استولى المتمردون الحوثيون في اليمن على العاصمة صنعاء في غضون أيام قليلة وأطاحوا بحكومة الرئيس عبدربه منصور هادي، الذي فر إلى المملكة العربية السعودية.
وفي أماكن أخرى، حدثت الظاهرة نفسها. ففي عام 2013 انهار جيش وحكومة جمهورية أفريقيا الوسطى أمام المتمردين في غضون أشهر، وهرب رئيس البلاد المحاصر فرانسوا بوزيزي إلى الكاميرون. وفي زايير انهارت قوات الرئيس الراحل موبوتو سيسي سيكو في عام 1997 عندما اجتاح المتمردون البلاد. ومع اقتراب المتمردين من قصره، فر موبوتو، الذي كان يحكم البلاد منذ ستينات القرن العشرين، إلى المغر
ب
ويقول ستيوارت رايد إنه في حين من المستحيل التنبؤ بتوقيت انهيار أي جيش، يكشف تحليل نماذج انهيار الجيوش في العالم على مدى العقود الماضية عن ثلاثة أسباب رئيسية تكررت في كل حالة وأدت إلى الانهيار السريع للجيوش في مواجهة المتمردين.
السبب الأول هو الإقصاء العرقي، حيث تكدس الحكومات جيوشها بأبناء عرقها وبخاصة في المناصب القيادية بهدف ضمان تماسك الجيش وولائه، في حين أنها تثير سخط واستياء المجموعات العرقية الأخرى في الدولة وتحول الجيش إلى كيان طائفي وليس وطنيا فيصبح انهياره ممكنا إذا ما انهار حكم الطائفة.
ففي أوائل التسعينات كان حوالي نصف قادة الجيش في زايير من إقليم موبوتو، وثلث هؤلاء كانوا من المجموعة العرقية الصغيرة التي ينتمي إليها موبوتو وهي عرقية نجباندي. وفي اليمن كان الشيعة يشعرون بالغضب من تجاهل الرئيس السني عبدربه منصور هادي لهم.
السبب الثاني هو الفساد الذي يعتبر أقوى عامل لتآكل للجيوش. وغالبا ما تعجز الحكومات الضعيفة عن تحمل تكلفة شراء ولاء قواتها، لذلك تتساهل مع فساد هذه القوات، وبخاصة كبار الضباط الذين يتوسعون في التربح من كل شيء متاح، بدءا من تسجيل آلاف الأسماء الوهمية في قوائم الجنود حتى يمكن للقادة اختلاس رواتبهم. كما أن الترقي في صفوف هذه الجيوش يكون لمن يستطيع دفع الرشاوى أو من له اتصالات قوية وليس للأكفأ ولا الأكثر تأهيلا. وفي أفغانستان كان ضباط في القوات الجوية يعملون في تهريب المخدرات والأسلحة .
في الوقت نفسه يثير فساد الجيوش سخط السكان الذين يدعمون المتمردين وينضمون إليهم. كما أنه يجعل هذه الجيوش أقل كفاءة بسبب اختلاس الأموال وعدم توجيه الموارد نحو شراء الأسلحة والمعدات ودفع الأجور للجنود.
وفي تقرير حكومي أميركي عن انهيار جيش أفغانستان، قال مسؤول أفغاني “لا أحد يريد الموت من أجل الأشخاص الذين جاءوا إلى هنا من أجل سرقة البلد“.
أما السبب الثالث والأكثر أهمية وراء انهيار الجيوش فهو فقدان الدعم الخارجي. فالحكومات الضعيفة تحتاج عادة للمساعدة من أجل استمرار سيطرتها على البلاد. وعندما ينسحب الدعم الخارجي تكون نهاية هذه الحكومة وجيشها.
فبعد انتهاء الحرب الباردة لم تعد الولايات المتحدة تحتاج إلى نظام موبوتو في زايير وتركته يسقط. وفي جمهورية أفريقيا الوسطى عندما سحبت فرنسا دعمها لحكومتها عام 2013 انهارت الحكومة خلال شهور.
السيناريو نفسه تكرر في سوريا، حيث لم يستطع نظام بشار الأسد القتال لأكثر من 10 أيام بعد فقد دعم روسيا وإيران، فانهار الحكم وتبخر الجيش ودخلت المعارضة العاصمة دون قتال.
لذلك فإن جيوش الدول المستبدة تكون نماذج مصغرة لحكوماتها. ومثل الجيش السوري، كانت الدولة السورية قد تعرضت للتجريف عبر سنوات من الفساد والإقصاء العرقي وعاشت على الدعم الخارجي. لذلك فإن المثير للدهشة لا يكون السرعة التي انهار بها النظام، وإنما الفترة الطويلة التي ظل فيها قابضا على الحكم في البلاد.
ولم تستغرق هذه التطورات أكثر من 10 أيام بعد أن تصور الكثيرون أن حكم بشار الأسد قد استعاد عافيته تماما وقضى على الثورة التي تفجرت ضده في 2011. فمنذ 2017 توقفت عمليات المعارضة المسلحة تقريبا، ونجح الرئيس السوري في استعادة السيطرة على حوالي ثلثي مساحة البلاد.
وبعد أن استعاد استقرار حكمه، بدأ الأسد يسافر إلى الخارج وزار موسكو وبكين والرياض وطهران وأبوظبي. وبدا أن الجميع قبلوا ولو على مضض، بأن حكم هذا الرجل القوي الوحشي سيبقى. وأصبح “التطبيع” مع سوريا هو شعار المرحلة ليس فقط للدول الشرق أوسطية وإنما لبعض الدول الغربية. ففي سبتمبر الماضي عينت إيطاليا أول سفير لها في دمشق بعد حوالي 13 عاما من تجميد العلاقات الدبلوماسية.
لكن بعد 10 أيام فقط من بدء الهجوم المفاجئ من جانب مسلحي تنظيم هيئة تحرير الشام المعارضة انهار هذا الاستقرار الذي نعم به نظام الأسد. وتبخر الجيش العربي السوري وترك جنوده مواقعهم وخلعوا ستراتهم العسكرية. واستولت المعارضة على العاصمة دمشق دون قتال وفرّ الأسد وأسرته إلى موسكو. وكان هذا السقوط السريع والسهل مفاجئا حتى للمعارضة.
وفي تحليل نشرته مجلة ناشيونال إنتريست الأميركية تحت عنوان “لماذا تنهار الجيوش؟” قال ستيوارت رايد الباحث الزميل البارز في مجلس العلاقات الخارجية الأميركي ومؤلف كتاب “مؤامرة لمومبا” إن هذا الاستسلام المفاجئ للجيش السوري جزء من تقليد راسخ لدى الجيوش القوية ظاهريا والهشة داخليا التي تنهار بسرعة في مواجهة تقدم المتمردين.
ففي عام 2021، انهار الجيش الأفغاني الذي دربته الولايات المتحدة وأنفقت عليه ما يصل إلى 83 مليار دولار في غضون أشهر مع صعود طالبان إلى السلطة.
وقبل ذلك، في العراق تبخرت قوات الجيش في عام 2014 أمام مسلحي تنظيم داعش الذين سيطروا على جزء كبير من البلاد، بما في ذلك مدينتا الفلوجة والموصل.
وفي نفس العام، استولى المتمردون الحوثيون في اليمن على العاصمة صنعاء في غضون أيام قليلة وأطاحوا بحكومة الرئيس عبدربه منصور هادي، الذي فر إلى المملكة العربية السعودية.
وفي أماكن أخرى، حدثت الظاهرة نفسها. ففي عام 2013 انهار جيش وحكومة جمهورية أفريقيا الوسطى أمام المتمردين في غضون أشهر، وهرب رئيس البلاد المحاصر فرانسوا بوزيزي إلى الكاميرون. وفي زايير انهارت قوات الرئيس الراحل موبوتو سيسي سيكو في عام 1997 عندما اجتاح المتمردون البلاد. ومع اقتراب المتمردين من قصره، فر موبوتو، الذي كان يحكم البلاد منذ ستينات القرن العشرين، إلى المغر
ب
ويقول ستيوارت رايد إنه في حين من المستحيل التنبؤ بتوقيت انهيار أي جيش، يكشف تحليل نماذج انهيار الجيوش في العالم على مدى العقود الماضية عن ثلاثة أسباب رئيسية تكررت في كل حالة وأدت إلى الانهيار السريع للجيوش في مواجهة المتمردين.
السبب الأول هو الإقصاء العرقي، حيث تكدس الحكومات جيوشها بأبناء عرقها وبخاصة في المناصب القيادية بهدف ضمان تماسك الجيش وولائه، في حين أنها تثير سخط واستياء المجموعات العرقية الأخرى في الدولة وتحول الجيش إلى كيان طائفي وليس وطنيا فيصبح انهياره ممكنا إذا ما انهار حكم الطائفة.
ففي أوائل التسعينات كان حوالي نصف قادة الجيش في زايير من إقليم موبوتو، وثلث هؤلاء كانوا من المجموعة العرقية الصغيرة التي ينتمي إليها موبوتو وهي عرقية نجباندي. وفي اليمن كان الشيعة يشعرون بالغضب من تجاهل الرئيس السني عبدربه منصور هادي لهم.
وفي سوريا شكلت الطائفة العلوية التي ينتمي إليها الأسد حوالي 70 في المئة من الجنود و80 في المئة من الضباط في الجيش السوري، في حين أن هذه الطائفة لا تشكل أكثر من 13 في المئة من سكان سوريا.
وكان العلويون يسيطرون بالكامل تقريبا على الحرس الجمهوري وهي قوة النخبة التي كان يقودها أحد أشقاء بشار الأسد. لذلك لم يكن لدى أفراد وضباط الجيش من غير العلويين استعداد للموت من أجل نظام حكم لا يمثلهم.
السبب الثاني هو الفساد الذي يعتبر أقوى عامل لتآكل للجيوش. وغالبا ما تعجز الحكومات الضعيفة عن تحمل تكلفة شراء ولاء قواتها، لذلك تتساهل مع فساد هذه القوات، وبخاصة كبار الضباط الذين يتوسعون في التربح من كل شيء متاح، بدءا من تسجيل آلاف الأسماء الوهمية في قوائم الجنود حتى يمكن للقادة اختلاس رواتبهم. كما أن الترقي في صفوف هذه الجيوش يكون لمن يستطيع دفع الرشاوى أو من له اتصالات قوية وليس للأكفأ ولا الأكثر تأهيلا. وفي أفغانستان كان ضباط في القوات الجوية يعملون في تهريب المخدرات والأسلحة .
في الوقت نفسه يثير فساد الجيوش سخط السكان الذين يدعمون المتمردين وينضمون إليهم. كما أنه يجعل هذه الجيوش أقل كفاءة بسبب اختلاس الأموال وعدم توجيه الموارد نحو شراء الأسلحة والمعدات ودفع الأجور للجنود.
وفي تقرير حكومي أميركي عن انهيار جيش أفغانستان، قال مسؤول أفغاني “لا أحد يريد الموت من أجل الأشخاص الذين جاءوا إلى هنا من أجل سرقة البلد“.
أما السبب الثالث والأكثر أهمية وراء انهيار الجيوش فهو فقدان الدعم الخارجي. فالحكومات الضعيفة تحتاج عادة للمساعدة من أجل استمرار سيطرتها على البلاد. وعندما ينسحب الدعم الخارجي تكون نهاية هذه الحكومة وجيشها.
فبعد انتهاء الحرب الباردة لم تعد الولايات المتحدة تحتاج إلى نظام موبوتو في زايير وتركته يسقط. وفي جمهورية أفريقيا الوسطى عندما سحبت فرنسا دعمها لحكومتها عام 2013 انهارت الحكومة خلال شهور.
السيناريو نفسه تكرر في سوريا، حيث لم يستطع نظام بشار الأسد القتال لأكثر من 10 أيام بعد فقد دعم روسيا وإيران، فانهار الحكم وتبخر الجيش ودخلت المعارضة العاصمة دون قتال.
لذلك فإن جيوش الدول المستبدة تكون نماذج مصغرة لحكوماتها. ومثل الجيش السوري، كانت الدولة السورية قد تعرضت للتجريف عبر سنوات من الفساد والإقصاء العرقي وعاشت على الدعم الخارجي. لذلك فإن المثير للدهشة لا يكون السرعة التي انهار بها النظام، وإنما الفترة الطويلة التي ظل فيها قابضا على الحكم في البلاد.