لقد أخذ شعبنا الجنوبي بعد عام 2015 بمفهوم وخيار الصبر وبمعناه الإيجابي؛ فهو شكل فعّال من أشكال الكفاح الوطني الواعي؛ الذي يتم إتباعه عند حالات معينة بناء على الاستيعاب الشامل لطبيعة الظروف المحيطة وبالواقع والأطراف الفاعلة فيه على تناغمها وتناقضاتها - فهذا أمر مهم في حسابات السياسة - وأخذًا بعين الاعتبار ميزان القوى القائم كذلك؛ وكيف يمكن تعديله لصالح شعبنا وقضيته العادلة؛ وبهدفها الوطني الذي كان معلنًا ومعلومًا لدى التحالف وللشركاء في الشرعية معًا والمتمثل باستعادة الجنوب لدولته المستقلة.

فقد اعتمد شعبنا وقواه الوطنية هذا الشكل الكفاحي دون سواه من بين الكثير من حالات وأشكال الدفاع عن مشروعه الوطني؛ ومع ذلك ظل يعبر عن عدم قبوله للواقع الذي فرض عليه؛ وبالحدود الممكنة البعيدة عن المهادنة أو الخضوع؛ رغبة منه أيضًا في تراكم كل عناصر وعوامل النهوض وبناء المؤسسات وأهمها العسكرية والأمنية؛ ولملمة الصفوف وتهيئة الأوضاع للحظة والزمن المناسبين.

ونعتقد هنا جازمين بأن الأمور قد وصلت إلى تلك اللحظة التي لم يعد للصبر مكانًا فيها؛ ومن أن الزمن هو هذا الذي نعيش لحظته؛ ليعلو فيه صوت شعبنا ومن على منصة التاريخ ليعلن كلمته الفاصلة؛ إيذانًا باستعادته لحريته وكرامته وقراره السيادي؛ وما مليونية ساحة العروض - ساحة الحرية - إلا تعبيرًا عن ذلك وبداية للتغيير وعلى أكثر من صعيد.

فقد تمادى الآخرون في معاداته ومحاربته والتآمر على قضيته ومستقبله وعدم الالتزام بكل ما كان قد أتفق معهم عليه منذ اتفاق الرياض الموقع في 5 نوفمبر عام 2019؛ لأن المزيد من الصبر دون حكمة حاكمة ومن غير رؤية ثاقبة وشاملة؛ ومبنية على الثقة المؤكدة بامتلاك الأدوات والوسائل التي يضمن بها شعبنا تحقيق الانتصار وفي أقرب وقت ممكن؛ لا تعني غير الذهاب إلى المجهول المخيف.

إن صبر شعبنا العظيم خلال عقد من الزمن إنما هو ذلك الصبر الذي لا تتقنه غير تلك الشعوب التي تنظر للحياة من زاوية المستقبل والثقة بالنفس؛ فمن لا يثق بنفسه يندم كثيرًا عندما يضع كل ثقته بغيره؛ وقد أثبت شعبنا قدرته الفائقة أيضًا على التحمل حتى تحين لحظة تحويل صبره إلى قوة دافعة للتغيير نحو المستقبل.

وهو المستقبل الذي كرس أحراره وحرائره حياتهم من أجله؛ دون أن تكسرهم عاتيات الزمن وتقلباته ومكر وخداع غيرهم؛ وحافظوا في نفس الوقت على قيم الوفاء وثبات المواقف مع من يشاركونهم وطنيًا ذلك؛ ويميزون بوعي بين الصديق والعدو اعتمادًا على شواهد الأفعال ومعطيات الواقع؛ وليس على غيرها من الأقوال والوعود الضبابية؛ فهذه هي ثقتنا بشعبنا وبقياداته الوطنية المخلصة التي يقف في طليعتها اليوم المجلس الانتقالي الجنوبي؛ الذي يتعرض اليوم لأشرس وأكبر حملة إعلامية معادية مضللة بسبب ثبات موقفه الوطني.