> التعريف بسورة العاديات
تُعدّ سورة العاديات من السور المكيّة،وقد جاء نزولها بعد سورة العصر، حيث نزلت العاديات في الفترة التي كانت بين بدايات نزول الوحي وهجرة الصحابة إلى الحبشة.
والمراد بذلك أنّ خيل المسلمين ها قد أقبلت، وقد أقسم الله بهذه الخيول التي يمتطيها المسلمون أثناء الجهاد في سبيل الله، فتتصاعد أنفاسها وتعلو أصواتها، وتحتكّ أقدامها بالأرض من شدّة سرعتها.
وقد دارت موضوعات السورة الكريمة حول ذكرها لمجموعة من الصفات التي قد يتّصف بها الإنسان والتي لا يرغب بها الشارع، وذلك مثل كفران النعمة والجحود بها، وحبّ الدنيا والمال، وحبّه لذاته وتقديم مصلحته على مصالح الآخرين.
فقال -تعالى-: (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ*وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ)، ففيها الحثّ على فعل الخير واجتناب الشرّ،وابتدأت السورة بالقسم من باب التأكيد على جميع الموضوعات التي سترد في الآيات بعد هذا القسم.
* الآيات المتعلقة بوصف الخيل في المعارك
* الآيات المتعلقة بوصف حال الإنسان
ومن صفات الإنسان اللصيقة به أيضا أنه شديد المحبة للمال، وبسبب حبه المال حريص بخيل بالمال، والخير: هو المال في الاستخدام القرآني.
* الآيات المتعلقة بعلم الله
* بعض الفوائد المستخلصة من سورة العاديات فيما يأتي:
- علم الله بما يحيط بالإنسان وجميع ما يتعلّق به منذ نشأته إلى مستقرّه، وقد كان خطاب الله في السورة مبنياً على الذم والتوبيخ ليكون فيه عظة وعبرة لمن شاء أن يتفكّر، فيزداد تقوىً وهدىً، ويتجنّب المعصية. وهذا العلم المتعلّق بالله يشمل جميع الأزمنة من الماضي والحاضر والمستقبل، أمّا الجزاء على الأعمال فيكون بعد القيام بها.
تُعدّ سورة العاديات من السور المكيّة،وقد جاء نزولها بعد سورة العصر، حيث نزلت العاديات في الفترة التي كانت بين بدايات نزول الوحي وهجرة الصحابة إلى الحبشة.
وفي ترتيب القرآن الكريم وقعت سورة العاديات بعد سورة الزلزلة، وترتبط السورتين معاً فيما ورد من قول الله -تعالى- في سورة الزلزلة، فقال: (وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا)، ثمّ في سورة العاديات قال -تعالى-: (أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ).
- سبب نزول سورة العاديات
ذكر مقاتل إنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- كان قد أرسل سريّة، وجعل عمرو بن المنذر الأنصاري أميراً عليها، فتأخّر الجيش شهراً عن موعد عودتهم إلى مكة المكرمة، فبدأ المنافقون يقولون في الناس أنّهم قد قُتلوا ولن يعودوا، فأنزل الله قوله: (وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا).
- محورها وسبب تسميتها
سُمّيت سورة العاديات بهذا الاسم نسبةً إلى ما افتتحت به السورة الكريمة، والعاديات اسم للخيول التي يركبها المجاهدين في سبيل الله.
ومثل هذه الصفات تؤدي بمن اتّصف بها إلى العقوبة والخسران، وهذه الصفات اتّصف بها الكفار والمنافقين، وورد ذكرها في الآيات من باب تحذير المسلمين من الوقوع فيها والتشبّه بالكفّار.
وذكرت الآيات عدداً من المواعظ التي تذكّر الناس بأنّ مصيرهم بعد الموت الحساب ثمّ الجزاء على أعمالهم، إن كانت خيراً فالجزاء خير، وإن كانت شراً فالجزاء شرّ.
- شرح سورة العاديات
قال الله -سبحانه-: (وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا * فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا * فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا).
في الآيات الثلاث الأولى من السورة المباركة يُقسم الله -سبحانه وتعالى- بالخيل عندما تجري بسرعة وهي تحمل الفرسان المجاهدين في سبيل الله -عز وجل- إلى ساحات القتال، ولسبب جريانها السريع تتسارع أنفاسها، فيُسمع لزفير أنفاسها صوتاً يتصاعد، وعندما تصطك حوافرها بحجارة الأرض وصخورها يخرج منه شرر النار، وهدف هذه الخيول مهاجمة الأعداء في وقت الصباح الباكر.
قال الله -سبحانه-: (فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا * فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا).
وينتج لجريان تلك الخيول في ساحة المعركة في وقت الصبح أو في ساحة المعركة غباراً مثاراً يملأ المكان، ليصلن في نهاية رحلتهن بفرسانهن إلى وسط عدوّهم ليفرِّقوهم وينتصروا عليهم.
قال الله -سبحانه-: (إِنَّ الْإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ * وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ * وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ)تبين الآيات الكريمة بعض صفات الإنسان الملازمة له، ولا تنفك عنه إلا بجهد وتربية وتوفيق من الله -سبحانه وتعالى-، وهي أنّ الإنسان يكفر نعمة ربه، وهذه الصفة على درجات عند الإنسان: فمن يشرك بالله -سبحانه وتعالى- ويكفر به يصل إلى أشد تلك المراتب.
وقد يكون كفرانه للنعم بعصيان الله -سبحانه وتعالى- من خلال استخدام النعمة على غير الوجه الذي يرضي به الرب -سبحانه وتعالى-، كمن أعطي البصر وهو ينظر إلى المحرمات، وقد يكون كفران النعمة بنسيانها وتذكر المصائب فقط، وهكذا فالإنسان عادة ما يكون كنوداً.
ولفظاعة هذه الصفة والتصاقها بالإنسان فإنه مُقِرٌّ باتّصافه بها، حتى وإن لم يرد الإقرار فإن في فلتات لسانه وأفعاله ما يقرّ بها، كقول الكفار إنهم يعبدون الأصنام لتُقَرّبهم إلى الله -سبحانه وتعالى-، وفي هذا إقرار بكنودهم لربهم بعبادة من لا يستحق العبادة مع الله -عز وجل-. ومن الأفعال التي تشهد بكنود الإنسان عصيانه ربه -سبحانه وتعالى-.
* الآيات المتعلقة بعلم الله
قال الله -سبحانه-: (أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ * وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ * إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ).
وفي هذه الآيات الكريمة يهدد الله -سبحانه وتعالى- الإنسان المتصف بهذه الصفات، ويتوعّده أنّه إذا أصرّ على هذه الصفات الذميمة بيوم إخراج ما في القبور من الأموات، وجمع وتحصيل ما في النفوس مما أخفت، ومهما أخفت فلا يمكنها إخفاء ذلك عن الرب -سبحانه وتعالى-، فهو الخبير بهم. وهو المطّلع على جميع أحوالهم في يوم إخراجهم من القبور وفي غيره، وهو سيجازيهم على جميع أعمالهم دون أن يُنقصوا شيئا، وحريٌّ بمن علم ذلك المصير ألا يشغله حب المال عن شكر الله -عز وجل- وعبادته والاستعداد للآخرة.
- ورد القسم في السورة بالخيول التي كانت محطّ اهتمام العرب، وذلك الأمر يتوافق مع طبيعة الإنسان المجبولة على قلّة الصّبر والشكر، وحب المال والبخل والشح فيه، والذي يُلهيه عن الغاية من خلقه وهي العمل لآخرته، بما يحقّق له السعادة والنجاة.