> تسفي برئيل:
مفهوم “اليوم التالي” كان يمكن أن يترجم الحرب إلى إنجازات بعيدة المدى تضمن فترة هدوء، فيها عودة للمخطوفين، وللمخلين بيوتهم، وأفق إسرائيل الاقتصادي والنظامي. بدلاً من ذلك، هو يمثل غياباً مطلقاً لتخطيط سياسي وتسوية تتبلور ولكن بعيداً عن إسرائيل.
عندما يتم فحص كل جبهة من هذه الجبهات التي جرت فيها الحرب على انفراد، وندمجها في نسيج واحد، يتضح لنا الجناح السياسي الإقليمي الجديد الذي تطور بعد 7 أكتوبر، وأبرز إنجاز عسكري وسياسي هو سحق قيادة حزب الله في لبنان وتحويله من تنظيم حاكم له دولة، ومن المحور الرئيسي في “حلقة النار” التي أقامتها إيران في المنطقة، إلى تنظيم لزج.
في الواقع، ما زال حزب الله يحتفظ بسلاحه وبالإمكانية الكامنة ليهدد استقرار لبنان، ولكن بدون الركيزة الجماهيرية والسياسية التي حظي بها لعشرات السنين. الرئيس والحكومة الجديدة في لبنان ألغوا النموذج الذي استمر سنوات كثيرة، والذي يقول بأن “المقاومة”، أي حزب الله، هي الضمانة لسيادة الدولة وأمنها.
الرئيس جوزف عون، الذي عرف المعادلة المهينة عن قرب عندما كان قائد الجيش، حين رأى بأن الجيش ثانوي بالنسبة لحزب الله، بكونه عاجزاً أمام العدو الإسرائيلي، وهو الآن يعيد الترتيب الصحيح لوضعه السليم عندما قال إن الدولة ستحتفظ بحقها الحصري للسيطرة بالوسائل العنيفة. التجديد ليس في الأقوال نفسها التي سبق وصيغت في القرار 1701 من العام 2006، الذي يستند إليه وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان، بل في تطبيقها بالفعل.
لم تستكمل العملية بعد. إدارة ترامب الجديدة سمحت لإسرائيل بتمديد وجودها في لبنان إلى ما بعد الستين يوماً التي كان يجب فيها أن تنسحب، والبقاء في خمسة مواقع في لبنان. لحزب الله سلاح كثير في شمال الليطاني، ولم يتم العثور على كل مخازن السلاح جنوبي الليطاني، ثم مصادرتها. ولكن حتى رجال الأمن الإسرائيليين يتأثرون من التصميم والوتيرة، وبالأساس من حقيقة أن نشر قوات الجيش في جنوب لبنان، يتم تقريباً بدون مواجهات مع نشطاء حزب الله. يصعب تخيل هذا الانقلاب المهم بدون ضغط من ترامب.
كان قد هدد الحكومة اللبنانية بعقوبات من أجل تسريع انتشار الجيش اللبناني في المنطقة وتحييد قدرات حزب الله العسكرية، وفي الوقت نفسه تقييد حجم نشاطات إسرائيل العسكرية في لبنان، الذي هو الآن جزء لا يتجزأ من ساحة اللعب الأمريكية، وعلى إسرائيل أن تلعب فيها حسب قواعد جديدة.
في آذار، هدد ترامب بأن كل رصاصة يطلقها الحوثيون ستعتبر وكأنها أطلقت من إيران، وأن “القيادة الإيرانية ستتحمل المسؤولية وستعاني من النتائج، التي ستكون قاسية جداً”. بعد شهر ونصف من ذلك، قرر بلورة “اتفاق” مع الحوثيين في اليمن ووقف حرب الولايات المتحدة ضدهم. القرار مرحلة مكملة للبنية الفوقية التي يشكلها. هدفه، الذي أعلن عنه منذ فترة، هو تقليص ساحات المواجهة المشتعلة إلى تسويات سياسية تحرر الولايات المتحدة من الحاجة إلى “القتال من أجل الحفاظ على حدود دول أخرى”. أما إسرائيل فبقيت وحدها في ساحة البحر الأحمر، التي تقلصت من تهديد الاقتصاد العالمي، وبالأساس اقتصاد دول المنطقة، إلى ساحة مركزة أمام إسرائيل. وبذلك أصبحت أقل أهمية بالنسبة للعالم.
حتى مفهوم “حلقة النار” نفسه يحتاج إلى تعريف جديد. منظومة المبعوثين التي أقامتها إيران في المنطقة لاستخدامها كقوات هجوم متقدمة وتهديد رادع ضد نوايا مهاجمتها، ربما تتلقى هدفاً جديداً، محلياً وليس إقليمياً، إذا تم التوقيع على اتفاق نووي جديد مع الولايات المتحدة؛ لأن واشنطن -كما يمكن الاستنتاج من تصريحات ترامب الأخيرة التي حذر فيها نتنياهو من مهاجمة إيران- “محمية” بحكم إجراء المفاوضات حول الاتفاق النووي، وستكون محمية أكثر إذا تم التوقيع عليه.
افتراض إسرائيل الذي بحسبه تدمير غلاف منظمات وكلاء إيران سيحولها إلى دولة أكثر هشاشة، تبين أنه افتراض مبكر جداً، وربما افتراض غير واقعي. هي لم تتوقع “عامل ترامب”. هذا كان (وما زال) مفاجأة، مؤلمة، مهينة، وبالنسبة لإسرائيل أيضاً مهددة. ترامب لم يتشاور مع إسرائيل عندما قرر إطلاق مفاوضات مع إيران، وقد أبلغ نتنياهو عن هذه الخطوة “المغيرة للعبة”، بشكل عابر، تقريباً كما فعل عندما أعلن عن وقف إطلاق النار مع الحوثيين.
التعامل بشبه تجاهل مع رئيس حكومة إسرائيل هو موقف خطير بحد ذاته ومسألة ثانوية. حتى الآن، لم يوقع اتفاق مع إيران، ومن غير المعروف إذا كان سيوقع عليه وماذا سيحتوي. ولكن إمكانية موافقة الولايات المتحدة على اتفاق مؤقت، أو أي صياغة أخرى، ستعتبر نجاحاً سياسياً لترامب، قد تقلص الطريقة التي ينظر فيها العالم، لا سيما الولايات المتحدة، إلى التهديد النووي الإيراني. ستجد إسرائيل نفسها في حينه مثلما في الساحة الحوثية والسورية، وحدها أمام ما تعتبره تهديداً وجودياً. ولكن مقابل هذه الساحات، إذا قررت إسرائيل العمل ضد إيران بشكل مستقل، فهي تخاطر بمواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة.
إن إبعاد إسرائيل عن المشروع الدبلوماسي الإقليمي الذي يشكله ترامب، والطريقة التي يرسم فيها حدود ساحة النشاطات العسكرية التي هي مخولة بالعمل فيها، تقلص هامش “المعركة بين حربين”، وستجبر إسرائيل على الانشغال في ما نجحت لسنوات في الامتناع عن فعله، بناء استراتيجية سياسية تتلاءم مع النتائج العسكرية التي حققتها، والتي لم تعرف كيفية الاستفادة منها حتى الآن.
هآرتس 30/5/2025
في كل “الجبهات السبع”، وهو مفهوم آخر يردد صدى حرب الاستقلال، ثمة اتفاقات وتسويات مؤقتة تتراكم. إذا صمدت هذه الاتفاقات فستغطي على الحاجة إلى إدارة “المعركة بين الحربين”، التي ميزت العقود الأخيرة، وتملي مكانة إسرائيل في الشرق الأوسط.
هذه التسويات، لشديد الفشل، لا تأتي بفضل مبادرة سياسية بعيدة الرؤية لإسرائيل أو على أساس خطة عمل منظمة تم التخطيط لها مسبقاً، بل يبنيها ويضعها ويمليها الرئيس الأمريكي ترامب، وتمتلك الشرعية من منظومات العلاقات التي يؤسسها مع عدد من دول المنطقة، وبالأساس دول الخليج وعلى رأسها السعودية.
كلما تطورت هذه التسويات، يمكن القول إن نشاطات إسرائيل العسكرية في الواقع وضعت أسساً لتسوية إقليمية جديدة، لكن ما يعتبر “تغييراً لوجه الشرق الأوسط” ينفذه ترامب الذي يقوم بتشكيل “اليوم التالي” كما يريد.
عندما يتم فحص كل جبهة من هذه الجبهات التي جرت فيها الحرب على انفراد، وندمجها في نسيج واحد، يتضح لنا الجناح السياسي الإقليمي الجديد الذي تطور بعد 7 أكتوبر، وأبرز إنجاز عسكري وسياسي هو سحق قيادة حزب الله في لبنان وتحويله من تنظيم حاكم له دولة، ومن المحور الرئيسي في “حلقة النار” التي أقامتها إيران في المنطقة، إلى تنظيم لزج.
في الواقع، ما زال حزب الله يحتفظ بسلاحه وبالإمكانية الكامنة ليهدد استقرار لبنان، ولكن بدون الركيزة الجماهيرية والسياسية التي حظي بها لعشرات السنين. الرئيس والحكومة الجديدة في لبنان ألغوا النموذج الذي استمر سنوات كثيرة، والذي يقول بأن “المقاومة”، أي حزب الله، هي الضمانة لسيادة الدولة وأمنها.
الرئيس جوزف عون، الذي عرف المعادلة المهينة عن قرب عندما كان قائد الجيش، حين رأى بأن الجيش ثانوي بالنسبة لحزب الله، بكونه عاجزاً أمام العدو الإسرائيلي، وهو الآن يعيد الترتيب الصحيح لوضعه السليم عندما قال إن الدولة ستحتفظ بحقها الحصري للسيطرة بالوسائل العنيفة. التجديد ليس في الأقوال نفسها التي سبق وصيغت في القرار 1701 من العام 2006، الذي يستند إليه وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان، بل في تطبيقها بالفعل.
لم تستكمل العملية بعد. إدارة ترامب الجديدة سمحت لإسرائيل بتمديد وجودها في لبنان إلى ما بعد الستين يوماً التي كان يجب فيها أن تنسحب، والبقاء في خمسة مواقع في لبنان. لحزب الله سلاح كثير في شمال الليطاني، ولم يتم العثور على كل مخازن السلاح جنوبي الليطاني، ثم مصادرتها. ولكن حتى رجال الأمن الإسرائيليين يتأثرون من التصميم والوتيرة، وبالأساس من حقيقة أن نشر قوات الجيش في جنوب لبنان، يتم تقريباً بدون مواجهات مع نشطاء حزب الله. يصعب تخيل هذا الانقلاب المهم بدون ضغط من ترامب.
كان قد هدد الحكومة اللبنانية بعقوبات من أجل تسريع انتشار الجيش اللبناني في المنطقة وتحييد قدرات حزب الله العسكرية، وفي الوقت نفسه تقييد حجم نشاطات إسرائيل العسكرية في لبنان، الذي هو الآن جزء لا يتجزأ من ساحة اللعب الأمريكية، وعلى إسرائيل أن تلعب فيها حسب قواعد جديدة.
في وقت قريب من انهيار حزب الله انهارت الجبهة السورية. لم تكن “جبهة ساخنة” تواجه إسرائيل مباشرة، لكنها شكلت جبهة داخلية لوجستية لحزب الله ومحوراً يربط بين إيران ولبنان. وكانت ساحة عمل رئيسية في “المعركة بين الحربين”، التي أدارتها إسرائيل.
سقوط نظام الأسد والاستيلاء على الحكم على يد أحمد الشرع، ظهر لإسرائيل كفرصة لتثبيت مواقع سيطرة في سوريا وإقامة قطاع أمني فيها، الذي سيمنع تمركز قوات معادية على طول الحدود. ولكن في تعريف “قوات معادية” شملت إسرائيل أيضاً قوات الشرع نفسه، الذي ما زالت إسرائيل تعتبره إرهابياً وجهادياً.
في الوقت الذي توجه فيه إسرائيل رؤية عسكرية تشبه التي وجهتها في حرب لبنان الأولى، فهي تعتقد أنها تستطيع تجنيد “حلف من الأقليات” إلى جانبها، مثل الدروز في جنوب سوريا، والأكراد في الشمال، كي يتم استخدامهم كقوات صد تكتيكية، والأهم أنهم سيقيدون سيطرة الشرع على كل الدولة، وسيمنعون انتشار قواته على طول الحدود مع إسرائيل.
إمكانية الاعتراف بنظام الشرع لإجراء معه المفاوضات، على الأقل حول ترتيبات أمنية ومنع المواجهة، تعتبر خطيرة، فتفسيرها هو التعاون مع تنظيم إرهابي. “التهديد السوري” تعاظم في الوقت الذي ظهر فيه أن تركيا أصبحت الدولة الراعية لسوريا، وأنها تنوي ترميم جيش الشرع وإقامة قواعد عسكرية فيها.
المواجهة مع تركيا كانت على شفا الاشتعال، لكن ظهر ترامب وقلب طموح إسرائيل رأساً على عقب. خلافاً لطلب إسرائيل عدم الاعتراف بنظام الشرع، ها هو ترامب يستجيب لطلب بن سلمان. فقد التقى مع الشرع وصافحه وقرر رفع العقوبات عن سوريا. بذلك، أعطى الرئيس الأمريكي الشرعية الدولية لنظام اعتبرته إسرائيل عدواً محتملاً.
“حلف الأقليات” وفكرة الحرب بواسطة امتدادات بديلة، تحل مكانها الآن تسويات وتنسيقات أمنية، صيغت مباشرة بين ممثلين إسرائيليين وسوريين بـ “رقابة” أمريكية وبتنسيق تركيا. من المبكر القول ما إذا كانت هذه التطورات ستثمر ترتيبات دائمة جديدة أو انضمام سوريا لاتفاقات إبراهيم. ولكن على إسرائيل ملاءمة نفسها مع واقع سياسي ليست هي التي رسمته أو بادرت إليه، الذي تقررت قواعده في واشنطن والرياض وأبو ظبي والدوحة وأنقرة.
في آذار، هدد ترامب بأن كل رصاصة يطلقها الحوثيون ستعتبر وكأنها أطلقت من إيران، وأن “القيادة الإيرانية ستتحمل المسؤولية وستعاني من النتائج، التي ستكون قاسية جداً”. بعد شهر ونصف من ذلك، قرر بلورة “اتفاق” مع الحوثيين في اليمن ووقف حرب الولايات المتحدة ضدهم. القرار مرحلة مكملة للبنية الفوقية التي يشكلها. هدفه، الذي أعلن عنه منذ فترة، هو تقليص ساحات المواجهة المشتعلة إلى تسويات سياسية تحرر الولايات المتحدة من الحاجة إلى “القتال من أجل الحفاظ على حدود دول أخرى”. أما إسرائيل فبقيت وحدها في ساحة البحر الأحمر، التي تقلصت من تهديد الاقتصاد العالمي، وبالأساس اقتصاد دول المنطقة، إلى ساحة مركزة أمام إسرائيل. وبذلك أصبحت أقل أهمية بالنسبة للعالم.
حتى مفهوم “حلقة النار” نفسه يحتاج إلى تعريف جديد. منظومة المبعوثين التي أقامتها إيران في المنطقة لاستخدامها كقوات هجوم متقدمة وتهديد رادع ضد نوايا مهاجمتها، ربما تتلقى هدفاً جديداً، محلياً وليس إقليمياً، إذا تم التوقيع على اتفاق نووي جديد مع الولايات المتحدة؛ لأن واشنطن -كما يمكن الاستنتاج من تصريحات ترامب الأخيرة التي حذر فيها نتنياهو من مهاجمة إيران- “محمية” بحكم إجراء المفاوضات حول الاتفاق النووي، وستكون محمية أكثر إذا تم التوقيع عليه.
افتراض إسرائيل الذي بحسبه تدمير غلاف منظمات وكلاء إيران سيحولها إلى دولة أكثر هشاشة، تبين أنه افتراض مبكر جداً، وربما افتراض غير واقعي. هي لم تتوقع “عامل ترامب”. هذا كان (وما زال) مفاجأة، مؤلمة، مهينة، وبالنسبة لإسرائيل أيضاً مهددة. ترامب لم يتشاور مع إسرائيل عندما قرر إطلاق مفاوضات مع إيران، وقد أبلغ نتنياهو عن هذه الخطوة “المغيرة للعبة”، بشكل عابر، تقريباً كما فعل عندما أعلن عن وقف إطلاق النار مع الحوثيين.
التعامل بشبه تجاهل مع رئيس حكومة إسرائيل هو موقف خطير بحد ذاته ومسألة ثانوية. حتى الآن، لم يوقع اتفاق مع إيران، ومن غير المعروف إذا كان سيوقع عليه وماذا سيحتوي. ولكن إمكانية موافقة الولايات المتحدة على اتفاق مؤقت، أو أي صياغة أخرى، ستعتبر نجاحاً سياسياً لترامب، قد تقلص الطريقة التي ينظر فيها العالم، لا سيما الولايات المتحدة، إلى التهديد النووي الإيراني. ستجد إسرائيل نفسها في حينه مثلما في الساحة الحوثية والسورية، وحدها أمام ما تعتبره تهديداً وجودياً. ولكن مقابل هذه الساحات، إذا قررت إسرائيل العمل ضد إيران بشكل مستقل، فهي تخاطر بمواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة.
إن إبعاد إسرائيل عن المشروع الدبلوماسي الإقليمي الذي يشكله ترامب، والطريقة التي يرسم فيها حدود ساحة النشاطات العسكرية التي هي مخولة بالعمل فيها، تقلص هامش “المعركة بين حربين”، وستجبر إسرائيل على الانشغال في ما نجحت لسنوات في الامتناع عن فعله، بناء استراتيجية سياسية تتلاءم مع النتائج العسكرية التي حققتها، والتي لم تعرف كيفية الاستفادة منها حتى الآن.
هآرتس 30/5/2025