في خضمّ التحوّلات المتسارعة التي يشهدها عالمنا، تظلّ الأسرة الحاضن الأوّل للإنسان، والبذرة الأولى التي تنمو فيها شخصيّته وتتشكل ملامح ضميره ويبدأ الأفراد بتعلّم كيفيّة العيش مع الآخرين. ليست الأسرة مجرد كيان اجتماعي، بل هي مدرسة روحانية وعاطفيّة، يتعلّم فيها الإنسان كيف يحبّ، كيف يستمع، وكيف يقدّم ذاته من أجل الآخرين ومع تغيّر الزمن، لم تعد النماذج التقليديّة كافية لتلبية حاجات الروح والعقل. نحن في حاجة ماسّة إلى نمط جديد من الحياة العائلية، يقوم على التآزر لا التسلّط، وعلى التشاور لا الإقصاء، وعلى التقدير المتبادل والمشاركة بدلاً عن الاستخفاف والإقصاء وتوزيع الأدوار بناءً على التقاليد الجامدة.

فالزواج الحقيقي ليس فقط رباطًا جسديًا، بل لقاءً روحانيّا بين نفسَين تسعيان معًا نحو النمو، ويغذّي هذا اللقاء الحب، الإخلاص، والخدمة المشتركة. الأبناء بدورهم ليسوا فقط مسؤولية، بل أمانة تُربّى بالعناية والحكمة، لا بالتحكّم أو الإهمال.

التربية هنا فعل حب غير مشروط واستثمار في إنسان يحمل قيماً ورسالة تتجاوز مصلحته الشخصية.

والتعليم، في ظل هذا المفهوم، لا يُفصل عن الحياة اليومية، بل يتداخل معها. فكل موقف، وكل حديث، وكل تصرّف بين أفراد الأسرة هو فرصة تربوية تُغرس فيها القيم وتُصقل فيها القدرات.

هكذا يتعلّم الأبناء في أحضان أسرة ناضجة كيف يُفرّقون بين الصواب والخطأ، كيف يتخذون القرار بشجاعة، وكيف تكون المعرفة وسيلة لخدمة الآخرين لا لمجرد التفاخر بها و حين تقوم الأسرة على هذه القيم، تصبح مصدرًا للإشراق، ونقطة انطلاق نحو مجتمعات أكثر عدلاً ورحمة. فليس في الإمكان بناء السلام في العالم إن لم تُبْنَ البيوت على أسسٍ من الوحدة والتسامح والعطاء.

و كما نرى في هذا العصر الذي يُعيد تعريف كلّ شيء، لن يكون هناك إصلاح حقيقي إلا إذا بدأ من الداخل، من دفء البيت، من صدق العلاقة، من نور الأسرة.

ودمتم في كنف الله، سالمين، ومؤيدين.