في إحدى مزارع البُن الواقعة على سفح جبل يمني، ومع أول خيوط الفجر، مدّ الفلاح يده ليقطف حبّات البُن الحمراء الناضجة، حبةً حبة، بعناية وحُب، وكأنه يقطف قلب الأرض.

جمعت السلال ثمارًا كثيرة، كلها من نفس الشجرة، تشابهت في الشكل واللون والرائحة.

لكن ما لم تكن تعرفه تلك الحبات، أن مصيرها لن يكون واحدًا، حُمّلت الثمار إلى مركز المعالجة، وفي لحظةٍ فاصلة، انقسمت الطرق، حيث نُقلت مجموعة من الحبوب إلى معمل عتيق، أُلقيت على الأرض لتجف بلا اهتمام، خُلط الجيد بالرديء، وغُسلت سريعًا بمياه راكدة، ثم شُحنت في أكياس مهترئة إلى مصنع تجاري، سُحقت بلا رحمة، وأُدخلت في سلسلة إنتاج لا تُميز فيها حبة عن أخرى. تحوّلت إلى قهوة سريعة الذوبان، تُباع على الرفوف الرخيصة، لا أحد يسأل عن قصتها.

أما الحبات الأخرى، فقد اختيرت بعناية. غُسلت بمياه نقية، وجففت على أسرّة خشبية تحت شمس مدروسة، وتتبّعها خبير تذوق حرفي كأنها كنز. خضعت لرحلة من الرعاية والاحترام، وبعد أشهر من العناية، حُملت إلى محمصة متخصصة، حُمصت بعناية فائقة، ثم سافرت إلى مقهى صغير في مدينة بعيدة، حيث شربها فنان، وكتب بعدها قصيدة.

والفرق..!! كل الحبات وُلدت من نفس الشجرة، رُويت من نفس المطر، وقُطفت من نفس اليد، لكن ما صنع الفرق، لم يكن أصلها، بل الطريق الذي سلكته بعد ذلك.

أليست هذه حكاية حياتنا..!! حياة على نار هادئة..! فكلنا نُولد كحبات بُن في حقل واحد... لكن بعضنا يختار أن يُكرّم حياته بالخدمة، بالعلم، بالبناء... وبعضنا يفرّط بقيمه، ويُسلم نفسه للركود، أو يُستخدم في الهدم والدمار.. ليس الفرق في الأصل، بل في القرار... ليس فيما نُعطى، بل فيما نختار أن نكون.

فلنكن..!! إن استطعنا من ذلك البُن الذي يُصبح قصيدة.