> سيطرت عليه القوات الجنوبية مؤخرًا..
تأسس عام 1969م واسقطته القوات الجنوبية في حربي 72 1979م
تقرير/ شايف محمد الحدي
تكمن الأهميَّة الجيوعسكريَّة والجيوستراتيجيَّة لمعسكر الجُبّ غرب مديرية قعطبة، الذي تمَّ تحريره من قبل القُوَّات المُسَلَّحَة الجنوبيَّة على أنَّه يُشرف على ثلاث مديريات ويتحكم في الحركة المرورية في الخط الرئيس بين مدينة الفاخر ومدينة إب وبين حَجْر والحشاء، وكان يُمَثّل هذا المعسكر إلى وقتٍ قريب رمزية هامة لدى ميليشيات الحوثي قبل تحريره من قبضتها في 8 أكتوبر 2019م.
يقع معسكر الجُبّ الاستراتيجيّ شمال الشريط الحدودي لمناطق حَجْر بن ذو رُعَيْن الحِمْيَريّ بالضالع، على تلة كبيرة مرتفعة ومستوية وتحيط به تلال جبلية متوسطة، وهو -أيضًا- معسكر حصين يتوسط العديد من المناطق كـ«باجة وسائلة المالح ودار السيّد وعُويش وبلدة صُبَيرة ومَرخَزة والمشاريح وقروض وقُليعة وبتار قعطبة والشَّامرية الحشاء، ومنحه موقعه الاستراتيجيّ المرتفع إطلالة على مناطق الشريط الحدودي حَجْر.
█ أهميَّة المعسكر
معسكر الجُبّ يُطلُّ على هذه المناطق بما فيها الطريق العام الفاخر ـ إب شمالاً وحَجْر ـ الحشاء جنوباً وكان يُستخدم كمعسكرٍ للتمترس والتعزيز باتّجاه مختلف المناطق ويتميز من النَّاحية الجغرافيَّة بوجود الوديان والشعاب وكثافة الأحراش والأشجار المتنوعة ومجاري السَّيُول، ويتمتع بموقع حصين فهو يتمدد في وادٍ تحيط به التلال من كُلِّ الجهات؛ وهذه الميزات وفرّت حماية للجنود والآليات من رصدها من قبلِ طيران التحالف العربي واستماتت ميليشيات الحوثي للتمسك به نظرًا لأهميّته الجيوعسكريَّة والجيوستراتيجيَّة، ويربط موقعه الاستراتيجيّ بين ثلاث مديريات وتتوفر له تحصينات جبلية، ما يجعله مسيطرًا على طرق الإمدادات.

وكان وجود الحوثيين فيه يُشكّل حَجَر عَثْرة في تحرير مناطق حَجْر، وكان يُسهم في تشكيل خلفية لحماية معسكر الزٍُبيريّات في بلدة سُليم ومعسكر حُلم في حمك، حيثُ كانت الميليشيات الحوثية تستميت في الدفاع عن المعسكر لمّا يُمثله لها من أهميَّة استراتيجيَّة، فهو كان يُمَثّل قاعدة انطلاق لعملياتها العسكريَّة الرئيسيَّة ومقرًا لها، ورغم تعرض معسكر الجُبّ خلال الأشهر الماضية لقصف من طيران التحالف ومن راجمات الصواريخ الجنوبيَّة وسلاح المدفعيَّة، إلَّا أنَّ تلك الضربات لم تدمر سوى بعض الآليات والأطقم التي كانت ظاهرة للعيان ولم تتأثر تلك الآليات التي كانت مخفية بين الشعاب والتباب.
█ شُكّل بقرار جمهوري
تاريخياً تأسس معسكر الجُبّ عام 1969م بقرار جمهوري من رئيس الشطر الشمالي عبدالرحمن الإرياني، وكان للرائد يحيى محمد الشامي، قائد ناحية قعطبة سابقًا دورًا كبيرًا في تشكيل هذا المعسكر وتسليحه، وتمركزت فيه قوات شمالية مكوّنة من كتائب الدروع والمدفعية وكتيبة من سلاح الصاعقة والمظلات وثلاث كتائب مشاة، وكان يؤمن المعسكر قاعدة إمداد هائلة من السلاح الثقيل والمتوسط والعناصر البشرية، لتحقيق السّيطرة الأمنية على الحدود مع الضالع سابقاً، وتمَّ تعيين يحيى الشَّامي، رئيسًا لعمليات الكتيبة الثانية مدرعات في بلاد (قعطبة) بعد حصار السبعين يومًا عام 1968م، ثُمَّ قائدًا لنفس الكتيبة في بداية السبعينيَّات، ثم عُيّن قائدًا للواء الثاني مدرع، الذي كان يتمركز في الزُّبيريّات 10 كيلو مترات غرب مـ/قعطبة، ومن ثُمَّ عُيّن قائدًا للمحور الجنوبي قعطبة، ووكيلا لمحافظة إبّ لشؤون المناطق الوسطى (الشامي حالياً رتبته لواء ويعمل مستشاراً سياسياً لعبدالملك الحوثي).
█ دوره في حرب 1972م
حاولت القوات الشمالية في حرب 1972م عبر هذا اللواء والمعسكرات الأخرى اختراق مناطق حَجْر للوصول إلى الضالع، وفعلاً تمكَّنت من الوصول إلى بلدتي الشريفة والضُّمر وأسفل منطقة بني سعيد ـ جحاف قبل أنَّ يتم صدّها من قبل القوَّات الجنوبيَّة المسنودة بالمليشيا الشعبيَّة ورجال القبائل وما كان يُعرف بقوات «الجبهة الوطنية»، وتمّ إسقاط معسكر الجُبّ وصولاً إلى حُمر وحمك بعد معركتي جبل بَرَكَان المطل على بلدتي العُقلة ولكمة لشعوب والجميمة شرق مدينة قعطبة دامت أيّاما وأسابيع.
وفي حرب 1979م كانت الخطوة الأولى للقوّات المُسَلَّحَة الجنوبيَّة السّيطرة على معسكر الجُبِّ وفتح ثغرة لعبور ناقلات الجنود والمدرعات تحت غطاء نيراني من سلاح المدفعيَّة وراجمات الصواريخ وافقاد القُوَّات الشماليَّة السيطرة والتحكم بمسار المعركة، وكلف لهذه المهمة اللواء 14 مشاة الذي كان يقوده البطل ابن شبوة الرائد سعيد سالم أحمد العريف، ورئيس أركانه النقيب حسين صالح البُري اليافعي، وقائد كتيبة الدبّابات الملازم أوّل علي مسعد حسين الدُّبا، وتمّ التحرك ومحاصرته بعد انضمام كتيبة سلاح الصاعقة والمظلات الشماليَّة التي كانت تتمركز بداخله إلى القوّات الجنوبيَّة، واستولت القوَّات الجنوبيَّة على كتيبتي الدبّابات المتمركزة في معسكر الجُبِّ وموقع حمك طراز تي ـ 34 وتمَّ سحبها إلى معسكر الركابة بالقرب من الشريط الحدودي سناح حسب المعلومات التي دوّناها من اللواء ركن ـ علي مسعد حسين الدُّبا، الذي كان قائدًا لكتيبة الدروع في اللواء 14 مشاة، كما أسرت القوات الجنوبيَّة الرائد يحيى محمد الشامي، قائد المحور الجنوبي ـ قعطبة وارتمى تحت قدمي العميد علي أحمد ناصر عنتر، وزير الدفاع الجنوبي، وهو يصرخ أنا في وجهك يا عنتر ويتوسل وينفش التراب فوق رأسه، حينها قال عنتر أطلقوا سراح هذا الجبان حسب مذكرات اللواء والسفير محمد العبَّادي، الذي كان ضابطاً مشاركاً في حرب 1979م في جبهة قعطبة.
ووصلت القُوَّات المُسَلَّحَة الجنوبيَّة أرض المعركة في قرين الفهد والوطيف وحمك وتناثرت جثث القُوَّات المُسَلَّحَة الشماليَّة وتَرَكُوا جرحاهم ودبّاباتهم وأسلحتهم وفرّت خمسة ألوية للجيش بما فيها لواء الحرس الجمهوري والتي كانت مسنودة بقبائل حاشد، التي كان يقودها الشيخ القبلي الكبير ـ مجاهد أبو شوارب، والتي تلقت هزيمة ساحقة وهروب أبو شوارب ووصلت المعركة إلى نجد الجماعي وكانت مذبحة للعدوّ ومزقتهم شذر مذر، وكان الطيّار الشجاع عبدالحافظ علي صالح العفيف، يقصف مقدمة القوَّات الشماليَّة وأصيبت طائرته السوخوي ونزل سالماً على أرض صديقة ووصلت القُوَّات المُسَلَّحَة الجنوبيَّة إلى تخوم مدينة إب من هذا المحور، ومن محور مُرَيس ـ دمت وصلت إلى مدينتي يريم ورداع؛ وهذا المحور قاده وزير الداخلية صالح مصلح قاسم، حينما دخل بقوات من الشعيب وأسقط معسكر الصدرين والتحم بالقوات الجنوبية القادمة من قعطبة عبر نقيل الشيم وتقدم إلى دمت ومن ثم اتجه بقواته إلى جُبَنْ واخترق رادع حتى وصل الى مدينة البيضاء والتقت قواته مع القوات الجنوبية القادمة من مكيراس ـ أبين ووصلوا إلى مشارف محافظة ذمار ويريم ومن دمت ـ أيضاً ـ واصلت القوات الجنوبية تقدمها شمالاً إلى أن وصلت محيط مدينة يريم، واستطاع العميد صالح مصلح قاسم تحقيق الانتصارات نتيجة علاقته المتينة بالقيادات العسكرية والسياسيّة التابعة للجبهة الوطنية في المناطق الوسطى التي كانت معارضة لنظام صنعاء.
█ تفاصيل
يقول اللواء ركن علي مسعد حسين الدُّبا، الذي كان يقود كتيبة الدبابات في اللواء 14 مشاة في حرب صيف 1979م: "كان يتكوّن اللواء 14 مشاة الجنوبيّ، الذي كان يقوده الرائد البطل سعيد سالم أحمد العريف، من الكتائب والسرايا التالية: كتيبة 12 مشاة، كتيبة 6 مشاة، كتيبة 23 مشاة، كتيبة سلاح الدبّابات، كتيبة سلاح المدفعيَّة، كتيبة دفاع جوي، كتيبة تعبوية مدربة على الفنون القتالية، سرية نقل، سرية هندسة ميدان ألغام، سرية استطلاع".

ويضيف: "عند الهجوم على معسكري الجُبّ والزُّبيريَّات في حرب 1979م أسقطنا المعسكرين بعد دخولنا بكتيبة الدبابات تي ـ 34 وبغطاء نيراني من سلاح المدفعيَّة وراجمات الصواريخ مع تقدم المشاة وقصف الطيران لمؤخرة قواتهم؛ وهذا التنظيم في القيادة العسكريَّة الجنوبيَّة حقق انتصارات متتالية شكّلت أنموذجاً لجيش منظم من جميع النواحي".
وأضاف قائلاً: "حينما توسعت المعركة في اتّجاه محور مُرَيس ـ دمت ومحور حمك ـ نجد الجماعي إب تمّ تعزيزنا باللواء 25 ميكا، الذي كان يقوده الرائد ـ عوض عبدالله مشبح، وكتيبة دبّابات تي ـ 55 متطورة من سلاح الدروع في عدن وكان يقود هذه الكتيبة ملازم أوّل ـ عبده صالح مثنى الشعيبي".
وأكّد في السياق ذاته أن القوات الجنوبيَّة غنمت 40 دبابة تي ـ 34 وكتيبة مدفعية وبطاريات صواريخ "كاتيوشا" بالإضافة إلى شاحنات وأطقم عسكرية وأسلحة كثيرة.
ويختتم حديثه بالقول: "الانتصارات التي حققتها القوات المسلحة الجنوبية كانت بفترة قصيرة وبأقل عن ماهو مخطط نظراً للتخطيط العسكري السليم والإرادة القوية للمقاتلين والعقيدة العسكرية للجيش الجنوبي، وأن التدخل الدولي هو الذي منع قواتنا من تحقيق الانتصار الكامل وإسقاط النظام في الشمال، فقد كانت قواتنا على مشارف إب وعلى أبواب ذمار بعد أن أسقطت محافظة البيضاء، وكل تلك الانتصارات تحققت بفضل الجهد العسكري والتدريبي والنظري والميداني التي تحصلت عليه قواتنا المسلحة بقيادة وزير الدفاع المناضل الوطني الكبير علي أحمد ناصر عنتر".
أمّا العميد ركن علي محمد علي العود، الذي كان يشغل قائد سرية المدفعية عيار 130 ملم الملحقة باللواء 14 مشاة بحرب 1979م، والتي كانت تتبع إدارة سلاح المدفعية والصواريخ فيقول: "سرية سلاح المدفعية عيار 130 ملم الملحقة في اللواء 14 مشاة كانت تتبع إدارة سلاح المدفعية والصواريخ عدن، أما كتيبة المدفعية في اللواء 14 مشاة كان يقودها ملازم أول أحمد علي حسين الكيلة، حيث لعب سلاح المدفعية دورًا محوريًا بحرب 1979م في عملية تقدم القوات المسلحة الجنوبية في عمق المناطق الشمالية، وكانت تملك الوسائل التدميرية الأساسية المعدة لدعم أعمال القتال، وقامت قواتنا المسلحة بعمليات هجومية بالتزامن مع التمهيد الناري، وكانت لنا غرفة العمليات في الربط بين سلاح المدفعية وقادة المجموعات على الأرض في سياق خطة عسكرية منظمة.
وأضاف في تلك الحرب كنت قائد سرية المدفعية عيار 130 ملم، وكان يسميها الأهالي في الضالع والجنوب مدافع نشوان المرعبة وأقصى مدى لقذيفة هذا المدفع 28 كيلومترا، وهي أكثر قطعة مدفعية تطوراً لدى الجيوش آنذاك، وكان موقعنا في بداية الحرب في معسكر الجرباء وكلما تقدمت قواتنا المسلحة الجنوبية في عمق المناطق الشمالية تقدم سلاح المدفعية إلى مواقع جديدة.

█ سلاح المدفعية
وأشار إلى أن "أهميَّة سلاح المدفعية في تلك الحرب كان يكمن في دعم المعارك وتوفير التغطية النيرانية الكثيفة والغزيرة للمشاة والمدرعات لقواتنا الجنوبية أثناء عمليات التقدم وأيضاً تدمير نقاط مراقبة العدوّ، وكان لدينا خطة أكبر تمهيد نيراني لاجتياز مناطق العمق الشمالي وكنا مدربين على أعلى مستوى وأصبحنا محترفين في سلاح المدفعية، حيثُ ساهم سلاح المدفعية بشكل كبير في ضرب الأهداف والتجمعات العسكريَّة وعملية التمشيط، مما سهل للجيش الجنوبي عملية التوغل في الأراضي الشمالية بعمق عشرات الكيلو مترات ومن محورين: محور مريس ـ دمت ومحور حمك ـ إب".
وأكّد في سياق حديثه لـ«الأيام» أن هذه الحرب أظهرت تطوراً ملحوظاً في العقيدة العسكرية الجنوبية والنظريات والإستراتيجيات القتالية في الحرب الحديثة.
وقال في نهاية روايته عن حرب 1979م: "إنَّ تلك الحرب سارت بطريقة عسكرية حديثة ومنظمة في جميع الجوانب الاستراتيجيَّة والتكتيكية للحرب وأظهرت قدرات الجيش وشرف العسكرية الجنوبية بقيادة وزير الدفاع العميد ـ علي أحمد ناصر عنتر، في هزيمة وطرد الآلاف من جنود وقبائل الجيش الشمالي آنذاك، ولا ننسى دور عناصر الجبهة الوطنية في تلك الحرب وقوات المليشيا الشعبية الجنوبية بقيادة المناضل الوطني قائد صالح حسين الشنفرة ومأمور مديرية الضالع القائد البطل قائد مثنى عمر، وطلاب الدفعة السابعة العسكرية عدن، الذين شاركوا في المعارك بقيادة الرائد قاسم يحيى قاسم، قائد الكلية العسكرية، ولا بدّ من الإشادة أيضاً بغرفة العمليات العسكرية بقيادة النقيب حسين صالح البُري اليافعي وكذلك بالدور البطولي والقتالي الذي قام به وزير الداخلية العميد صالح مصلح قاسم، والدور الذي لعبته قيادة اللواء 14 مشاة ممثلة بالبطل الصنديد والشجاع صاحب الكاريزما القوية الرائد سعيد سالم أحمد العريف، ابن شبوة الرجولة والبطولة والقائد الشجاع أحمد علي الكيلة والقائد الصارم فيصل رجب، قائد كتيبة 23 مشاة باللواء 14، والبطل الشجاع الرائد عوض عبدالله مشبح، قائد اللواء 25 ميكا، وهم من أبناء أبين الخير والعطاء، والقائد الكبير علي مسعد الدُّبا، قائد كتيبة الدبابات تي 34 باللواء 14 مشاة، وقائد كتيبة الدبابات T55 القائد الصنديد ملازم أول عبده صالح مثنى الشعيبي، الذي تم إرسال كتيبته من سلاح الدروع في عدن لتعزيز جبهات القتال في قعطبة، وأرجو المعذرة ممن لم تسعفني الذاكرة لذكرهم ممن كانوا مشاركين في تلك الحرب".
█ المعسكر وحرب 2015م
هذا المعسكر الشطري ظل حتى أيّام محمد عبدالله حيدر السنحاني، والذي كان يطلق عليه مؤخرة اللواء 35 مدرع والذي تم نقله إلى مدينة تعز في شهر ديسمبر 2012م، وظل خالياً حتى مارس 2015م عندما أعادت ميليشيات الحوثي التمركز فيه واستخدامه كقاعدة عسكريَّة لغرض مهاجمة مناطق الضالع.
ومن على أرضه شنَّت ميليشيات إيران الحوثية قصفًا عنيفًا على قرى حَجْرِ شملت مختلف القرى ابتداءً من سناح حتى المشاريح سقط على إثره عدد كبير من الضحايا في صفوف المدنيين ودمرت منازل وأحرقت مزارع وفرضت حصاراً نارياً على قرى حَجْرِ السُفلى، ممّا أدَّى إلى نزوح الآلاف من المواطنيين هرباً من القصف وقطع الطرقات وحرمانهم من مياه الشرب والحصار التمويني اللا إنساني واللا أخلاقي بهدف تجويع الناس وإخضاعهم.
تقرير/ شايف محمد الحدي
تكمن الأهميَّة الجيوعسكريَّة والجيوستراتيجيَّة لمعسكر الجُبّ غرب مديرية قعطبة، الذي تمَّ تحريره من قبل القُوَّات المُسَلَّحَة الجنوبيَّة على أنَّه يُشرف على ثلاث مديريات ويتحكم في الحركة المرورية في الخط الرئيس بين مدينة الفاخر ومدينة إب وبين حَجْر والحشاء، وكان يُمَثّل هذا المعسكر إلى وقتٍ قريب رمزية هامة لدى ميليشيات الحوثي قبل تحريره من قبضتها في 8 أكتوبر 2019م.
يقع معسكر الجُبّ الاستراتيجيّ شمال الشريط الحدودي لمناطق حَجْر بن ذو رُعَيْن الحِمْيَريّ بالضالع، على تلة كبيرة مرتفعة ومستوية وتحيط به تلال جبلية متوسطة، وهو -أيضًا- معسكر حصين يتوسط العديد من المناطق كـ«باجة وسائلة المالح ودار السيّد وعُويش وبلدة صُبَيرة ومَرخَزة والمشاريح وقروض وقُليعة وبتار قعطبة والشَّامرية الحشاء، ومنحه موقعه الاستراتيجيّ المرتفع إطلالة على مناطق الشريط الحدودي حَجْر.
█ أهميَّة المعسكر
معسكر الجُبّ يُطلُّ على هذه المناطق بما فيها الطريق العام الفاخر ـ إب شمالاً وحَجْر ـ الحشاء جنوباً وكان يُستخدم كمعسكرٍ للتمترس والتعزيز باتّجاه مختلف المناطق ويتميز من النَّاحية الجغرافيَّة بوجود الوديان والشعاب وكثافة الأحراش والأشجار المتنوعة ومجاري السَّيُول، ويتمتع بموقع حصين فهو يتمدد في وادٍ تحيط به التلال من كُلِّ الجهات؛ وهذه الميزات وفرّت حماية للجنود والآليات من رصدها من قبلِ طيران التحالف العربي واستماتت ميليشيات الحوثي للتمسك به نظرًا لأهميّته الجيوعسكريَّة والجيوستراتيجيَّة، ويربط موقعه الاستراتيجيّ بين ثلاث مديريات وتتوفر له تحصينات جبلية، ما يجعله مسيطرًا على طرق الإمدادات.

وكان وجود الحوثيين فيه يُشكّل حَجَر عَثْرة في تحرير مناطق حَجْر، وكان يُسهم في تشكيل خلفية لحماية معسكر الزٍُبيريّات في بلدة سُليم ومعسكر حُلم في حمك، حيثُ كانت الميليشيات الحوثية تستميت في الدفاع عن المعسكر لمّا يُمثله لها من أهميَّة استراتيجيَّة، فهو كان يُمَثّل قاعدة انطلاق لعملياتها العسكريَّة الرئيسيَّة ومقرًا لها، ورغم تعرض معسكر الجُبّ خلال الأشهر الماضية لقصف من طيران التحالف ومن راجمات الصواريخ الجنوبيَّة وسلاح المدفعيَّة، إلَّا أنَّ تلك الضربات لم تدمر سوى بعض الآليات والأطقم التي كانت ظاهرة للعيان ولم تتأثر تلك الآليات التي كانت مخفية بين الشعاب والتباب.
█ شُكّل بقرار جمهوري
تاريخياً تأسس معسكر الجُبّ عام 1969م بقرار جمهوري من رئيس الشطر الشمالي عبدالرحمن الإرياني، وكان للرائد يحيى محمد الشامي، قائد ناحية قعطبة سابقًا دورًا كبيرًا في تشكيل هذا المعسكر وتسليحه، وتمركزت فيه قوات شمالية مكوّنة من كتائب الدروع والمدفعية وكتيبة من سلاح الصاعقة والمظلات وثلاث كتائب مشاة، وكان يؤمن المعسكر قاعدة إمداد هائلة من السلاح الثقيل والمتوسط والعناصر البشرية، لتحقيق السّيطرة الأمنية على الحدود مع الضالع سابقاً، وتمَّ تعيين يحيى الشَّامي، رئيسًا لعمليات الكتيبة الثانية مدرعات في بلاد (قعطبة) بعد حصار السبعين يومًا عام 1968م، ثُمَّ قائدًا لنفس الكتيبة في بداية السبعينيَّات، ثم عُيّن قائدًا للواء الثاني مدرع، الذي كان يتمركز في الزُّبيريّات 10 كيلو مترات غرب مـ/قعطبة، ومن ثُمَّ عُيّن قائدًا للمحور الجنوبي قعطبة، ووكيلا لمحافظة إبّ لشؤون المناطق الوسطى (الشامي حالياً رتبته لواء ويعمل مستشاراً سياسياً لعبدالملك الحوثي).
█ دوره في حرب 1972م
حاولت القوات الشمالية في حرب 1972م عبر هذا اللواء والمعسكرات الأخرى اختراق مناطق حَجْر للوصول إلى الضالع، وفعلاً تمكَّنت من الوصول إلى بلدتي الشريفة والضُّمر وأسفل منطقة بني سعيد ـ جحاف قبل أنَّ يتم صدّها من قبل القوَّات الجنوبيَّة المسنودة بالمليشيا الشعبيَّة ورجال القبائل وما كان يُعرف بقوات «الجبهة الوطنية»، وتمّ إسقاط معسكر الجُبّ وصولاً إلى حُمر وحمك بعد معركتي جبل بَرَكَان المطل على بلدتي العُقلة ولكمة لشعوب والجميمة شرق مدينة قعطبة دامت أيّاما وأسابيع.
وفي حرب 1979م كانت الخطوة الأولى للقوّات المُسَلَّحَة الجنوبيَّة السّيطرة على معسكر الجُبِّ وفتح ثغرة لعبور ناقلات الجنود والمدرعات تحت غطاء نيراني من سلاح المدفعيَّة وراجمات الصواريخ وافقاد القُوَّات الشماليَّة السيطرة والتحكم بمسار المعركة، وكلف لهذه المهمة اللواء 14 مشاة الذي كان يقوده البطل ابن شبوة الرائد سعيد سالم أحمد العريف، ورئيس أركانه النقيب حسين صالح البُري اليافعي، وقائد كتيبة الدبّابات الملازم أوّل علي مسعد حسين الدُّبا، وتمّ التحرك ومحاصرته بعد انضمام كتيبة سلاح الصاعقة والمظلات الشماليَّة التي كانت تتمركز بداخله إلى القوّات الجنوبيَّة، واستولت القوَّات الجنوبيَّة على كتيبتي الدبّابات المتمركزة في معسكر الجُبِّ وموقع حمك طراز تي ـ 34 وتمَّ سحبها إلى معسكر الركابة بالقرب من الشريط الحدودي سناح حسب المعلومات التي دوّناها من اللواء ركن ـ علي مسعد حسين الدُّبا، الذي كان قائدًا لكتيبة الدروع في اللواء 14 مشاة، كما أسرت القوات الجنوبيَّة الرائد يحيى محمد الشامي، قائد المحور الجنوبي ـ قعطبة وارتمى تحت قدمي العميد علي أحمد ناصر عنتر، وزير الدفاع الجنوبي، وهو يصرخ أنا في وجهك يا عنتر ويتوسل وينفش التراب فوق رأسه، حينها قال عنتر أطلقوا سراح هذا الجبان حسب مذكرات اللواء والسفير محمد العبَّادي، الذي كان ضابطاً مشاركاً في حرب 1979م في جبهة قعطبة.
ووصلت القُوَّات المُسَلَّحَة الجنوبيَّة أرض المعركة في قرين الفهد والوطيف وحمك وتناثرت جثث القُوَّات المُسَلَّحَة الشماليَّة وتَرَكُوا جرحاهم ودبّاباتهم وأسلحتهم وفرّت خمسة ألوية للجيش بما فيها لواء الحرس الجمهوري والتي كانت مسنودة بقبائل حاشد، التي كان يقودها الشيخ القبلي الكبير ـ مجاهد أبو شوارب، والتي تلقت هزيمة ساحقة وهروب أبو شوارب ووصلت المعركة إلى نجد الجماعي وكانت مذبحة للعدوّ ومزقتهم شذر مذر، وكان الطيّار الشجاع عبدالحافظ علي صالح العفيف، يقصف مقدمة القوَّات الشماليَّة وأصيبت طائرته السوخوي ونزل سالماً على أرض صديقة ووصلت القُوَّات المُسَلَّحَة الجنوبيَّة إلى تخوم مدينة إب من هذا المحور، ومن محور مُرَيس ـ دمت وصلت إلى مدينتي يريم ورداع؛ وهذا المحور قاده وزير الداخلية صالح مصلح قاسم، حينما دخل بقوات من الشعيب وأسقط معسكر الصدرين والتحم بالقوات الجنوبية القادمة من قعطبة عبر نقيل الشيم وتقدم إلى دمت ومن ثم اتجه بقواته إلى جُبَنْ واخترق رادع حتى وصل الى مدينة البيضاء والتقت قواته مع القوات الجنوبية القادمة من مكيراس ـ أبين ووصلوا إلى مشارف محافظة ذمار ويريم ومن دمت ـ أيضاً ـ واصلت القوات الجنوبية تقدمها شمالاً إلى أن وصلت محيط مدينة يريم، واستطاع العميد صالح مصلح قاسم تحقيق الانتصارات نتيجة علاقته المتينة بالقيادات العسكرية والسياسيّة التابعة للجبهة الوطنية في المناطق الوسطى التي كانت معارضة لنظام صنعاء.
█ تفاصيل
يقول اللواء ركن علي مسعد حسين الدُّبا، الذي كان يقود كتيبة الدبابات في اللواء 14 مشاة في حرب صيف 1979م: "كان يتكوّن اللواء 14 مشاة الجنوبيّ، الذي كان يقوده الرائد البطل سعيد سالم أحمد العريف، من الكتائب والسرايا التالية: كتيبة 12 مشاة، كتيبة 6 مشاة، كتيبة 23 مشاة، كتيبة سلاح الدبّابات، كتيبة سلاح المدفعيَّة، كتيبة دفاع جوي، كتيبة تعبوية مدربة على الفنون القتالية، سرية نقل، سرية هندسة ميدان ألغام، سرية استطلاع".

ويضيف: "عند الهجوم على معسكري الجُبّ والزُّبيريَّات في حرب 1979م أسقطنا المعسكرين بعد دخولنا بكتيبة الدبابات تي ـ 34 وبغطاء نيراني من سلاح المدفعيَّة وراجمات الصواريخ مع تقدم المشاة وقصف الطيران لمؤخرة قواتهم؛ وهذا التنظيم في القيادة العسكريَّة الجنوبيَّة حقق انتصارات متتالية شكّلت أنموذجاً لجيش منظم من جميع النواحي".
وأضاف قائلاً: "حينما توسعت المعركة في اتّجاه محور مُرَيس ـ دمت ومحور حمك ـ نجد الجماعي إب تمّ تعزيزنا باللواء 25 ميكا، الذي كان يقوده الرائد ـ عوض عبدالله مشبح، وكتيبة دبّابات تي ـ 55 متطورة من سلاح الدروع في عدن وكان يقود هذه الكتيبة ملازم أوّل ـ عبده صالح مثنى الشعيبي".
وأكّد في السياق ذاته أن القوات الجنوبيَّة غنمت 40 دبابة تي ـ 34 وكتيبة مدفعية وبطاريات صواريخ "كاتيوشا" بالإضافة إلى شاحنات وأطقم عسكرية وأسلحة كثيرة.
ويختتم حديثه بالقول: "الانتصارات التي حققتها القوات المسلحة الجنوبية كانت بفترة قصيرة وبأقل عن ماهو مخطط نظراً للتخطيط العسكري السليم والإرادة القوية للمقاتلين والعقيدة العسكرية للجيش الجنوبي، وأن التدخل الدولي هو الذي منع قواتنا من تحقيق الانتصار الكامل وإسقاط النظام في الشمال، فقد كانت قواتنا على مشارف إب وعلى أبواب ذمار بعد أن أسقطت محافظة البيضاء، وكل تلك الانتصارات تحققت بفضل الجهد العسكري والتدريبي والنظري والميداني التي تحصلت عليه قواتنا المسلحة بقيادة وزير الدفاع المناضل الوطني الكبير علي أحمد ناصر عنتر".
أمّا العميد ركن علي محمد علي العود، الذي كان يشغل قائد سرية المدفعية عيار 130 ملم الملحقة باللواء 14 مشاة بحرب 1979م، والتي كانت تتبع إدارة سلاح المدفعية والصواريخ فيقول: "سرية سلاح المدفعية عيار 130 ملم الملحقة في اللواء 14 مشاة كانت تتبع إدارة سلاح المدفعية والصواريخ عدن، أما كتيبة المدفعية في اللواء 14 مشاة كان يقودها ملازم أول أحمد علي حسين الكيلة، حيث لعب سلاح المدفعية دورًا محوريًا بحرب 1979م في عملية تقدم القوات المسلحة الجنوبية في عمق المناطق الشمالية، وكانت تملك الوسائل التدميرية الأساسية المعدة لدعم أعمال القتال، وقامت قواتنا المسلحة بعمليات هجومية بالتزامن مع التمهيد الناري، وكانت لنا غرفة العمليات في الربط بين سلاح المدفعية وقادة المجموعات على الأرض في سياق خطة عسكرية منظمة.
وأضاف في تلك الحرب كنت قائد سرية المدفعية عيار 130 ملم، وكان يسميها الأهالي في الضالع والجنوب مدافع نشوان المرعبة وأقصى مدى لقذيفة هذا المدفع 28 كيلومترا، وهي أكثر قطعة مدفعية تطوراً لدى الجيوش آنذاك، وكان موقعنا في بداية الحرب في معسكر الجرباء وكلما تقدمت قواتنا المسلحة الجنوبية في عمق المناطق الشمالية تقدم سلاح المدفعية إلى مواقع جديدة.

█ سلاح المدفعية
وأشار إلى أن "أهميَّة سلاح المدفعية في تلك الحرب كان يكمن في دعم المعارك وتوفير التغطية النيرانية الكثيفة والغزيرة للمشاة والمدرعات لقواتنا الجنوبية أثناء عمليات التقدم وأيضاً تدمير نقاط مراقبة العدوّ، وكان لدينا خطة أكبر تمهيد نيراني لاجتياز مناطق العمق الشمالي وكنا مدربين على أعلى مستوى وأصبحنا محترفين في سلاح المدفعية، حيثُ ساهم سلاح المدفعية بشكل كبير في ضرب الأهداف والتجمعات العسكريَّة وعملية التمشيط، مما سهل للجيش الجنوبي عملية التوغل في الأراضي الشمالية بعمق عشرات الكيلو مترات ومن محورين: محور مريس ـ دمت ومحور حمك ـ إب".
وأكّد في سياق حديثه لـ«الأيام» أن هذه الحرب أظهرت تطوراً ملحوظاً في العقيدة العسكرية الجنوبية والنظريات والإستراتيجيات القتالية في الحرب الحديثة.
وقال في نهاية روايته عن حرب 1979م: "إنَّ تلك الحرب سارت بطريقة عسكرية حديثة ومنظمة في جميع الجوانب الاستراتيجيَّة والتكتيكية للحرب وأظهرت قدرات الجيش وشرف العسكرية الجنوبية بقيادة وزير الدفاع العميد ـ علي أحمد ناصر عنتر، في هزيمة وطرد الآلاف من جنود وقبائل الجيش الشمالي آنذاك، ولا ننسى دور عناصر الجبهة الوطنية في تلك الحرب وقوات المليشيا الشعبية الجنوبية بقيادة المناضل الوطني قائد صالح حسين الشنفرة ومأمور مديرية الضالع القائد البطل قائد مثنى عمر، وطلاب الدفعة السابعة العسكرية عدن، الذين شاركوا في المعارك بقيادة الرائد قاسم يحيى قاسم، قائد الكلية العسكرية، ولا بدّ من الإشادة أيضاً بغرفة العمليات العسكرية بقيادة النقيب حسين صالح البُري اليافعي وكذلك بالدور البطولي والقتالي الذي قام به وزير الداخلية العميد صالح مصلح قاسم، والدور الذي لعبته قيادة اللواء 14 مشاة ممثلة بالبطل الصنديد والشجاع صاحب الكاريزما القوية الرائد سعيد سالم أحمد العريف، ابن شبوة الرجولة والبطولة والقائد الشجاع أحمد علي الكيلة والقائد الصارم فيصل رجب، قائد كتيبة 23 مشاة باللواء 14، والبطل الشجاع الرائد عوض عبدالله مشبح، قائد اللواء 25 ميكا، وهم من أبناء أبين الخير والعطاء، والقائد الكبير علي مسعد الدُّبا، قائد كتيبة الدبابات تي 34 باللواء 14 مشاة، وقائد كتيبة الدبابات T55 القائد الصنديد ملازم أول عبده صالح مثنى الشعيبي، الذي تم إرسال كتيبته من سلاح الدروع في عدن لتعزيز جبهات القتال في قعطبة، وأرجو المعذرة ممن لم تسعفني الذاكرة لذكرهم ممن كانوا مشاركين في تلك الحرب".
█ المعسكر وحرب 2015م
هذا المعسكر الشطري ظل حتى أيّام محمد عبدالله حيدر السنحاني، والذي كان يطلق عليه مؤخرة اللواء 35 مدرع والذي تم نقله إلى مدينة تعز في شهر ديسمبر 2012م، وظل خالياً حتى مارس 2015م عندما أعادت ميليشيات الحوثي التمركز فيه واستخدامه كقاعدة عسكريَّة لغرض مهاجمة مناطق الضالع.
ومن على أرضه شنَّت ميليشيات إيران الحوثية قصفًا عنيفًا على قرى حَجْرِ شملت مختلف القرى ابتداءً من سناح حتى المشاريح سقط على إثره عدد كبير من الضحايا في صفوف المدنيين ودمرت منازل وأحرقت مزارع وفرضت حصاراً نارياً على قرى حَجْرِ السُفلى، ممّا أدَّى إلى نزوح الآلاف من المواطنيين هرباً من القصف وقطع الطرقات وحرمانهم من مياه الشرب والحصار التمويني اللا إنساني واللا أخلاقي بهدف تجويع الناس وإخضاعهم.