> هرجيسا «الأيام» العربي الجديد:
انتهى سباق الانتخابات الرئاسية والحزبية في إقليم صوماليلاند (المعروف بأرض الصومال)، بفوز ساحق للمرشح المعارض رئيس حزب "وطني" عبد الرحمن عرو، ليكون الرئيس الجديد لإقليم صوماليلاند متفوقاً على منافسه موسى بيحي، رئيس الحزب الحاكم "كلمي"، وبحسب لجنة الانتخابات في الإقليم أسفرت الانتخابات الرئاسية والحزبية التي جرت في 13 نوفمبر الحالي عن فوز عرو بنسبة 63.90 % من أصوات الناخبين، بينما حصل بيحي على 34.60 %، فيما حصل المرشح الثالث فيصل علي ورابي، زعيم حزب "أوعيد" المعارض، على 1 % فقط. بذلك أصبح عرو رابع رئيس يُنتخب عبر انتخابات مباشرة وسابع رئيس في تاريخ صوماليلاند.
أما على صعيد الانتخابات الحزبية، فقد تصدر الحزبان السياسيان التقليديان المشهد، وهما حزب وطني الفائز في الانتخابات الرئاسية، وحزب كلمي الحاكم. في الوقت نفسه، نجح حزب "جمعية كاه" في ضمان مكانه ضمن الأحزاب الثلاثة التي ستمثل البلاد خلال السنوات العشر المقبلة. بالمقابل، خسر حزب أوعيد المعارض التقليدي فرصته في البقاء ضمن هذه الأحزاب، وبعد انتهاء ماراثون الانتخابات في صوماليلاند تُطرح في الأوساط السياسية والشعبية تساؤلات حول أولويات الملفات الشائكة التي تنتظر الرئيس الجديد على الصعيدين الداخلي والخارجي، لا سيما مستقبل ملف المفاوضات مع الصومال (بشأن الانفصال)، ومذكرة التفاهم مع إثيوبيا (يناير الماضي)، وتقضي بحصول أديس أبابا على منفذ بحري في الإقليم مقابل الاعتراف بانفصاله)، وحل النزاع العشائري في إقليم سول، شرق صوماليلاند.
يرث الرئيس الجديد لإقليم صوماليلاند مجموعة من الملفات الشائكة، إذ شهد الإقليم انقسامات داخلية نتيجة تداعيات تمديد فترة الولاية للرئيس المنتهية ولايته موسى بيحي (عام 2022)، الأمر الذي أدى إلى ظهور جبهات مسلحة كادت أن تهدد أمن واستقرار الإقليم، إلى جانب انفصال إقليم سول (في فبراير 2023 بعد معارك بين جيش صوماليلاند وقوات محلية)، ناهيك عن ملف الاقتصاد والبطالة المستشرية في أوساط المواطنين، وفقاً للمحلل السياسي ياسين عبد الله. وقال عبد الله، في حديث لـ "العربي الجديد"، إنه "يُتوقع من الرئيس الجديد عبدالرحمن عرو تقديم أجندة واضحة للتغلب على التحديات المحلية"، معتبراً أن "تشكيل حكومة وحدة وطنية بمشاركة واسعة من جميع المواطنين هو المفتاح الوحيد لتذليل العقبات ودفع الإقليم نحو بر الأمان".
وأضاف أن "أولويات الحكومة المقبلة تشمل إجراء المصالحة بين أطياف الشعب لتعزيز روح الوحدة الوطنية، والحوار مع سكان إقليم سول الذي أعلن انفصاله عن الإقليم"، وتشمل، وفق عبد الله، "بناء وتعزيز المؤسسات الحكومية لتكون قادرة على تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين، إلى جانب تنشيط القطاع الاقتصادي في الإقليم، الذي شهد خلال السنوات الماضية تراجعاً كبيراً نتيجة تراجع حركة الاستثمار الخارجي والداخلي"، وشدّد على أن "خلق بيئة جاذبة للاستثمارات ستساهم في معالجة مشكلة البطالة المستشرية في أوساط الشباب"، وبرأي عبدالله، "الشعب ينتظر من الرئيس الجديد تنفيذ الوعود التي قطعها خلال حملته الانتخابية، وأهمها إنهاء مشكلة تمديد فترات الرئاسة (ولاية الرئيس خمس سنوات)، التي أصبحت ظاهرة متكررة في الإقليم، وإجراء الانتخابات الرئاسية في مواعيدها المحددة بدون أي تأجيل"، أما في ما يخص الجانب الأمني فاعتبر عبد الله أن "تطلعات الشعب من الرئيس الجديد كبيرة، منها بناء جيش قوي قادر على الدفاع عن الإقليم وحمايته من التهديدات الخارجية، من خلال تعزيز القدرات العسكرية ورفع رواتب أفراد الجيش بجميع أقسامه".
تأثرت السياسة الخارجية لإقليم صوماليلاند بالتوترات الجيوسياسية التي شهدتها المنطقة. كما أن مذكرة التفاهم التي أبرمتها إثيوبيا مع الإقليم زادت الوضع الداخلي تعقيداً بفعل المتغيرات السياسية في المنطقة، بل أفرزت تشكيل تكتلات جديدة، على عكس توقعات الإقليم وإثيوبيا لتحقيق مصالحهما الاستراتيجية، ويراهن الكثيرون على الحزب الحاكم الجديد لتفكيك هذه الصعوبات من خلال التوفيق بين مصالح الإقليم ومصالح دول المنطقة.
في هذا الصدد، قال محمد صديق طمي، سكرتير العمل والشؤون الاجتماعية لحزب وطني، في حديث لـ "العربي الجديد"، إن "استراتيجية السياسة الخارجية للإقليم ثابتة منذ عقود، ومبنية على تحقيق الهدف المنشود، وهو الاعتراف الدولي"، وشدّد على أن "حزب وطني الحاكم يسعى إلى انتزاع اعتراف دولي بالإقليم من خلال سياسة واضحة المعالم، تقوم على إنشاء شبكة علاقات واسعة مع الدول الأفريقية والعربية، بما في ذلك دول الجوار، لتعزيز المصالح المشتركة بين الإقليم وهذه الدول"، وحول رؤية الحزب تجاه مذكرة التفاهم مع إثيوبيا، أكد أن "عرو اتهم الرئيس السابق بعدم الكشف عن فحوى المذكرة للمواطنين"، موضحاً أن "على الرغم من أن الحزب لا يعارض المذكرة، فإنه يرى أن من حق المواطنين معرفة بنودها"، وأشار إلى أن "الرئيس الجديد لإقليم صوماليلاند سيراجع بنود المذكرة للوقوف على مدى خدمتها لمصلحة الطرفين، وعندها سيعمل على دفع المذكرة قدماً".
أما في ما يخص مستقبل استئناف المفاوضات مع الصومال، فلفت طمي إلى أن الرئيس الجديد لإقليم صوماليلاند "وكما أكد خلال حملته الانتخابية، سيعمل على تحقيق ما يخدم مصلحة الإقليم"، وهذه إشارة ضمنية إلى إمكانية استئناف المفاوضات مع الحكومة الصومالية، والبحث عن نقاط التباين بين الجانبين، ويعكس الترحيب الذي جاء من قادة الصومال ومعارضيها الرهان الكبير على الرئيس الجديد للإقليم، لكونه رجلاً مدنياً ودبلوماسياً لا ينتمي إلى المكوّن العسكري الذي قاد الإقليم لعقود، ويبعث خطابه السياسي الذي يميل نحو المصالحة الأمل في جهود الصومال لإعادة الإقليم إلى حضن الوحدة الصومالية. وخاض الطرفان خلال السنوات العشر الماضية نحو عشر جولات من المفاوضات، لكنها لم تسفر عن أي نتيجة إيجابية حتى الآن، سواء باتجاه الوحدة أو الانفصال، وخلال تهنئة الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود لرئيس حزب وطني المعارض بفوزه في الانتخابات الرئاسية والحزبية، أكد أن الصومال مستعد لاستئناف المفاوضات مع الإقليم من أجل تحقيق وحدة الصومال وتجاوز الخلافات العالقة بين الجانبين.