> أ د. مهدي دبان

قبل أن نغوص في سيرة نجمنا المحبوب وفارسنا المغوار، لا بد من أن نمنح المساحة اللائقة للمكان الذي انبثق منه، فبعض الأماكن لا تكتفي بإنجاب أبنائها، بل تصوغهم من طينتها، تعجنهم بتاريخها، وتبث في أرواحهم نبضها وعبقها، فيغدون مرايا تعكس ملامحها، وأوتارا تعزف صداها، ومن بين هذه الأماكن التي تفوح منها رائحة الزمن الجميل وتنبض بالأصالة، تتوهج حافة حسين كواحدة من أعرق مناطق عدن القديمة وأكثرها شهرة.

ليست حافة حسين مجرد اسم على خارطة كريتر، بل هي عدة حوافي متداخلة، نسيج متماسك من الحياة، تقع في قلب المدينة النابض. سُميت نسبة إلى مسجد حسين الأهدل، الذي أسّسه العالم الجليل بدر الدين الحسين بن الصديق الأهدل عام 903هـ، ولا يزال هذا المسجد حتى اليوم شامخا.

عُرفت الحافة بكونها مرجعية ثقافية واجتماعية، واحتضنت عبر سنواتها الذهبية الكثير من المفكرين والساسة والفنانين، وكان مقهى عبدان الشهير الذي يفوح منه شاي عدني بطعم خاص مصنوع بمياه البومبة العذبة، بمثابة صالون مفتوح لصفوة المجتمع العدني. سكان الحافة كانوا وما زالوا مثالاً للترابط الأسري والتكافل الاجتماعي، وخاصة في المناسبات والأعياد، ولا تزال الأزقة تحتفظ بصدى ضحكاتهم وذكرياتهم، كأنها أمانة لا تزول.

وحين يُذكر اسم حافة حسين لا بد أن يرافقه اسم جعفر مرشد، الإعلامي الرياضي القدير، وأول معلق إذاعي رياضي في عدن، وصاحب برنامج "ركن الرياضة"، الذي نقش صوته في ذاكرة كل من عشق الرياضة العدنية.

ومن رحم هذا العطر التاريخي، ومن وسط هذه الألفة، وُلد نجمنا الموهوب عادل عباس، الفتى الحريف الذي كأن آيسكريم بابا شرف -أشهر آيسكريم في قلب الحافة- قد امتزج بروحه، فصار مزيجا من الحلاوة والفرادة والطراوة التي لا تُقاوم.

لم يكن ظهوره العابر مجرد ومضة، بل كان انبعاثا لروح التلال، إذ أعاد إلى القلعة التلالية رونقها الذي افتقدته لسنوات عجاف، حتى اعتقدنا أن منجمها قد نضب، وأن زمن الذهب قد ولّى، لكن عادل عباس أعاد كتابة الحكاية، أعاد المجد والأمل، ورفع الراية مجددًا.

وبينما كانت الجماهير تبحث عن لحظة فرح واحدة، جاء هذا النجم الشاب ليمنحهم إنجازا فريدًا ما زال يرفرف في سماء اليمن؛ فقد كان أبرز صُناع الإنجاز التاريخي في بطولة غرب آسيا، البطولة التي دخلت كتب التاريخ كأول وأهم تتويج للكرة اليمنية. ليس سهلا أن تضع بلدا جريح بأكمله على خارطة المجد، لكنه فعلها، بمهاراته العالية، ورؤيته الثاقبة، ولمساته الساحرة، وحضوره الميداني النادر، الذي جعل من كل لمسة له وعدا بالأمل، ومن كل تمريرة حكاية جميلة.

عادل عباس لم يكن لاعبا عاديا، بل كان حبة الكريز التي زينت تورتة الكرة اليمنية، والجوهرة النادرة التي لمعت في زمن قل فيه البريق. أعاد الهيبة للتلال، والفن للملعب، والبهجة إلى الأرواح.

وفي زمن تكابد فيه الشعوب من أجل لحظة ابتسامة، جاء عادل كنسمة بحر عدني عذبة، تحمل معها شيئا من المجد القديم وومضة من الأمل الجديد، تشبه عدن.. بعنادها وجمالها وعذوبتها.

إنه ليس مجرد لاعب.. إنه رسالة حب من حافة حسين إلى الوطن كله، إلى كل قلب يحب الجمال ويؤمن بأن من تراب عدن لا يخرج إلا الذهب.