> إبراهيم درويش:

​لا يمكن وصف حال الولايات المتحدة مع الهجوم أو زعم «الضربة الاستباقية» بتعبيرات رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو ضد الجمهورية الإسلامية في الساعات الأولى من صباح يوم الجمعة، 13 /يونيو، إلا بالمثل العربي «يكاد المريب يقول خذوني»، فأول ردة فعل من وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، كان أن أمريكا لا دخل لها في العملية العسكرية التي قتلت في مفتتحها قادة كبار في المؤسسة العسكرية الإيرانية والباحثين الذريين السابقين والحاليين، واستهدفت المنشآت العسكرية والنووية في عموم إيران من كرمنشاه وأصفهان وأراك وحتى طهران.

ومع انجلاء الفجر بدأ يتضح الدور الأمريكي، سرا وعلانية في العملية، حيث بدأ الإعلام الأمريكي والغربي عامة باستهلاك التسريبات الإسرائيلية، وهي أن إدارة ترامب لم توافق على العملية العسكرية فقط بل وأرسلت لها أسلحة وصواريخ هيلفاير، وجاءت قرارات نشر أرصدة جديدة في المنطقة تأكيدا على التورط الأمريكي في العملية، وهو ما ترفض واشنطن الاعتراف به ولن يمشي على إيران. ولعل التسريبات بدأت يوم الإثنين بتقرير من صحيفة «نيويورك تايمز»(9/6/2025) من أن العملية العسكرية ضد إيران باتت وشيكة وردة فعل ترامب على التقارير بأنها «ليست وشيكة» ولكنه لا يستبعد وقوعها.

وكانت تصريحاته جزءا من حملة شنها قبل الهجمات ضد إيران واتهمها بأنها باتت «صعبة» في المفاوضات ولا تريد التوقيع على اتفاقية نووية بشروطه، وليس كما في اتفاقية 2015 التي وصفها بأنها «أسوأ» اتفاقية في التاريخ وخرج منها، طبعا بتحريض من نتنياهو عام 2018.
  • تشوش مقصود
وما تبع الهجوم الإسرائيلي والرد الإيراني في ساعات متأخرة من يوم الجمعة، كشف عن تشوش في تصريحات الإدارة الأمريكية، الذي ربما كان مقصودا، مع أن البعض رده إلى طريقة ترامب في التعامل مع الأزمات الدولية. والمشكلة أن الرئيس الأمريكي، زعيم أقوى دولة في العالم رضي لنفسه أن يلعب دور «مندوب المبيعات» والمروج للهجمات الإسرائيلية على إيران، فقد هدد طهران ودعاها إلى القبول باتفاقية نووية، مرة أخرى حسب شروطه قبل أن تنتهي الإمبراطورية الفارسية.

ولا تزال التسريبات الإسرائيلية مستمرة، عن فرق الموساد التي دخلت إيران ونفذت عمليات حية ضد القيادات الإيرانية وعن الدور الأمريكي الضمني أو المباشر في العمليات كما كشف موقع «أكسيوس»(13/6/2025) قائلا إن الهجمات الإسرائيلية تم التحضير لها منذ 8 أشهر وأن رئيس الوزراء الإسرائيلي طلب من طاقمه التحضير الفعلي للضربة في نوفمبر 2024، أي بعد فوز الرئيس ترامب.

وأضاف الموقع أن العملية التي وصفت بـ«الأضخم ضد إيران منذ عام 1979»، أو في «التاريخ» بتعبيرات نتنياهو جاءت بعد أشهر من التحضيرات الاستخباراتية والعسكرية الرفيعة المستوى، تخللتها اتصالات سرية بين مسؤولين أمريكيين وإسرائيليين بارزين.

وذكرت مصادر إعلامية إسرائيلية أن المهمة الأساسية كانت الحصول على موافقة أمريكية صريحة أو ضمنية لتنفيذ الضربة، وهو ما تحقق لاحقا من خلال اجتماعات غير معلنة جمعت نتنياهو ووزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر بمسؤولين رفيعي المستوى في الإدارة الأمريكية.

وحسب أحد المسؤولين الإسرائيليين للموقع أن «الولايات المتحدة كانت تظهر معارضة شكلية أمام الإعلام، لكنها في الغرف المغلقة لم تكتف بالصمت، بل منحتنا الضوء الأخضر الصريح».

ولعل الدورالأمريكي في العملية واضح من تصريحات ترامب نفسه، لنفس الموقع الذي نقل عنه قوله إن الضربة الإسرائيلية حسنت على الأرجح من فرص موافقة إيران على صفقة معه حسب شروطه، مع أن الكثيرين يختلفون معه، وخاصة ان التصريحات الإيرانية بعد الضربة المفاجئة كلها تركزت على الرد بالمثل، كما أن تصريحات وزير الخارجية عباس عراقجي استبعدت أي محادثات في الوقت الحالي، وحتى اللقاء غير المباشر الذي كان من المقرر أن يعقد الأحد في العاصمة العمانية، مسقط.

وما يهم في الأمر هو أن نتنياهو حقق حلمه في ضرب إيران وبرامجها النووية، حيث ظل مهووسا بالتهديد الإيراني وعارض إدارة أوباما، وهو هوس مستمر في الحكومات الإسرائيلية السابقة، وخاصة أن الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش، رفض طلبا من حكومة إيهود اولمرت لتوجيه ضربة بمساعدة أمريكية، لكن المختلف اليوم، أن لدى نتنياهو رئيس أمريكي يتمنع في العلن ويقبل في السر، ففي فبراير فاجأ ترامب نتنياهو في البيت الأبيض أنه قرر المضي في المحادثات مع إيران، ومنح المفاوضات فرصة شهرين، وعندما اكتشف مثلما اكتشف في أوكرانيا أن المهمة صعبة قرر التنازل لإسرائيل، وخاصة أن إيران ليست روسيا، فقد خسرت طهران تأثيرها في لبنان وسوريا ويواجه حلفاؤها الحوثيون في اليمن الضربات الإسرائيلية بعد توقف الحملة الأمريكية، عشية زيارة ترامب للمنطقة في مايو.

ولعل الخديعة الكبرى التي حاول الإعلام تمريرها، نيابة عن ترامب أو إسرائيل هي أن واشنطن أطلقت يد إسرائيل ضد الفلسطينيين في غزة مقابل تحديد مسار سياستها الخارجية بالمنطقة بما يخدم المصالح الأمريكية، ففي إيران، صور ترامب بصانع سلام، وقد سمعنا هذا الكلام حتى بعد إعلان إسرائيل الحرب على إيران.

وتم الحديث عن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، فيما لم يتم الحديث عن حق إيران في الدفاع عن نفسها بعد انتهاك سيادتها الدولية. ومن استمع لمرافعة المبعوث الإسرائيلي أمام مجلس الأمن الدولي، يفهم ما تريد إسرائيل تمريره للعالم وهي أنها تتصرف نيابة عن العالم والتاريخ لمنع تهديد وجودي عليها.

ولكن إسرائيل التي تعاني من عزلة دولية بسبب الحرب في غزة، باتت منبوذة، على الأقل في الرأي العام الدولي، وليس المؤسسات السياسية التي سارعت، كما فعلت فرنسا بالإعلان أنها جاهزة للدفاع عن إسرائيل ضد إيران.
  • ستار
ورأت صحيفة «وول ستريت جورنال» (13/6/2026) أن المفاوضات الأمريكية مع إيران لم تكن سوى ستار للتحضير قبل الضربة الأخيرة. وقالت إن المفاوضات الأمريكية مع إيران، الهادفة إلى كبح برنامج طهران النووي، نظر إليها على نطاق واسع وسيلة مهمة للحفاظ على السلام الإقليمي. إلا أنها في نهاية المطاف كانت غطاء مثاليا لهجوم إسرائيلي مفاجئ.

ومع انعقاد الجولة السادسة من المحادثات بين مبعوث إدارة ترامب، ستيف ويتكوف، ونظرائه الإيرانيين يوم الأحد في عمان، حذر مسؤولون إسرائيليون وأمريكيون من العمل العسكري إذا لم توافق إيران على وقف إنتاجها للمواد الانشطارية التي يمكن استخدامها في الأسلحة النووية.

وقال ترامب يوم الجمعة: «منحت إيران فرصة لصفقة ولكنهم فشلوا في الموافقة عليها». ونقلت الصحيفة عن المبعوث الأمريكي السابق دينس روس قوله: «لا شك أن مهمة ويتكوف ساهمت بشكل كبير في المفاجأة. كان الإيرانيون سيفترضون أن إسرائيل لن تهاجمهم أثناء سير المحادثات واقتراب انعقاد الاجتماع».

وقالت الصحيفة إن نتنياهو فتح موضوع الهجمات في مكالمة مع ترامب يوم الإثنين. وفي محاولة للتهرب من المسؤولية عن الهجمات أصر الأمريكيون أن ويتكوف سيسافر إلى مسقط. ومع ذلك قال أرون ديفيد ميلر، المفاوض السابق إنه لا توجد أي إشارات عن معارضة أمريكا للهجوم على إيران حيث أعطيت إسرائيل «ضوءا أخضر كإنكار معقول» في الوقت نفسه.

وخلف الإنكار، أرسلت أمريكا صواريخ إلى إسرائيل وسط التحضيرات إلى جانب المعلومات الأمنية، حيث ذكر موقع «ميدل إيست آي» (13/6/2025) أن الولايات المتحدة سلمت سرا مئات من صواريخ هيلفاير إلى إسرائيل قبل هجومها على إيران الجمعة. وأرسلت الولايات المتحدة حوالي 300 صاروخ هيلفاير إلى إسرائيل يوم الثلاثاء في مخزون كبير من الإمدادات قبل هجومها، وفي الوقت الذي كانت فيه إدارة ترامب تقول إنها مستعدة لمواصلة إشراك إيران في المحادثات النووية.

وأفاد مسؤولان أمريكيان لموقع ميدل إيست آي شريطة عدم الكشف عن هويتهما بأن نقل هذه الكمية الكبيرة من صواريخ هيلفاير يشير إلى أن إدارة ترامب كانت على علم جيد بخطط إسرائيل لمهاجمة إيران. وهو ما اعترف به ترامب علانية أن إدارته كانت على معرفة بكل الخطط الإسرائيلية.

وكانت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية «سي آي إيه» قد اطلعت في نيسان/أبريل وأيار/مايو على خطط إسرائيلية لشن هجوم أحادي الجانب على المواقع النووية الإيرانية. وأثارت خطة إسرائيل لتحليل أنظمة الأهداف وخطتها القتالية للهجمات الإلكترونية، إلى جانب الضربات الدقيقة دون أي تدخل أمريكي مباشر، إعجاب الإدارة الأمريكية. لكن سلوك ترامب في الأشهر الأخيرة أعطى المراقبين، وربما الإيرانيين أيضا، انطباعا بأنه سيواصل مقاومة ضغوط نتنياهو العلنية لتأييد الضربات.
  • سوء تقدير
ويبدو أن الخديعة انطلت على الجانب الإيراني، فقد كشفت صحيفة «نيويورك تايمز» (13/6/2025) وفي مقابلات أجرتها مع عدد من المسؤولين الإيرانيين البارزين قالوا فيها إنهم لم يتوقعوا الهجوم قبل جولة أخرى من المفاوضات. وتعاملوا مع التقارير حول قرب الهجوم من خلال فكرة الرضا عن النفس ونفوها. وقال مسؤولون إنه ليلة الهجوم الإسرائيلي، لم يلجأ كبار القادة العسكريين إلى ملاجئ آمنة، بل مكثوا في منازلهم، وكان قرارا مكلفا، حيث تجاهل الجنرال أمير علي حاجي زادة، قائد وحدة الفضاء التابعة للحرس الثوري، وكبار أركانه توجيهًا بعدم التجمع في مكان واحد. وعقدوا اجتماعا طارئا للحرب في قاعدة عسكرية بطهران، وقتلوا عندما ضربت إسرائيل القاعدة. وبنهاية اليوم بدأ المسؤولون باكتشاف حجم الهجوم والأضرار، حيث كان واسعا من همدان وعيلام وبرجورد وقم وأراك وقصر شيرين وشيراز وأرميا ولورستان وتبريز وأصفهان.

وفي رسائل نصية حصلت عليها الصحيفة، تساءل المسؤولون الغاضبون «أين دفاعاتنا الجوية؟» و«كيف جاء الإسرائيليون وهاجموا كيفما شاءوا مع أننا كنا قادرين على وقفهم؟»، وتساءلوا عن الفشل الإستخباراتي في التكهن بالهجمات.

واستفاق الإيرانيون صباح الجمعة على حقيقة أن بلدهم يواجه حربا لا يعرفون نهايتها، وحتى القيادة لا تعرف أين تنتهي، فهي تواجه خيارات صعبة، وخاصة آية الله علي خامنئي. ففي ظل التهديدات الأمريكية وسكوت الدول الإقليمية ودعم الدول الغربية لإسرائيل، وعرض حلفاء طهران مثل الصين وروسيا التوسط من اجل خفض التصعيد، يبدو أن الجمهورية الإسلامية تشهد أشد امتحاناتها منذ إنشائها عام 1979، ولا يعرف أحد أهداف إسرائيل وبالضرورة أمريكا النهائية من الهجوم، فلم يكن أبدا عن تخريب المفاوضات الأمريكية، التي نسفها نتنياهو كما حل للبعض القول، وليست أيضا عن المشروع النووي فقط، الذي صوره نتنياهو بانه «تهديد وجودي» بل عن تغيير النظام، وهو الحلم الذي راود اليمين الأمريكي منذ عقود، ويراود عقل القيادة الإسرائيلية، وخاصة بعد هجمات حماس في 7 أكتوبر 2023، فلم يتوقف نتنياهو عن الحديث عن إعادة تشكيل الشرق الأوسط وبناء نظام جديد فيه تحت الهيمنة الأمريكية وبوكالة إسرائيلية.
  • تغيير النظام؟
وبدا هذا الكلام واضحا من مقال لتوماس فريدمان في «نيويورك تايمز»(13/6/2025) وإن قدمه ضمن رؤيته لما هو متوقع: تغيير النظام أم توريط أمريكا. وهو وإن تحدث عن تفكير نتنياهو على صعيد المنطقة، لكنه أشار إلى فشله في المسرح المحلي، أي غزة. وقال إن البديل عن النظام الإيراني ربما تكون الفوضى، فانهيار أعمدة نظام يعارضه الكاتب لا يعني ديمقراطية في المنطقة. وأشار إلى رسالة نتنياهو للإيرانيين وأن الهجمات لا تستهدفهم. ولكن كلامه لن يلهم الإيرانيين المعروفين بوطنيتهم، حتى لو كرهوا نظامهم.

والجيل الجديد في إيران وإن لم يعش أيام الحرب العراقية- الإيرانية إلا أن إيران الخميني في حينه، استعادت السيطرة على الوضع. وحقيقة توجيه نتنياهو رسالة إلى الشعب الإيراني تكشف عن طموحه لتغيير النظام، وهو ما عكس تصريحات ترامب.
  • إيران نووية
وعلى العموم، سيظل السؤال قائما حول قدرة إسرائيل على إنهاء مشروع إيران النووي، فحتى لو دمرت المفاعلات، فإن المعرفة النووية التي راكمتها إيران على مدى السنين موجودة، كما قالت صحيفة «التايمز»(13/6/2025)، وربما أدى الهجوم لعكس ما تريده أمريكا وإسرائيل. فكما يقول كينيث بولاك في مجلة «فورين أفيرز» (13/6/2025) فالخطر يكمن في أن إسرائيل فتحت بابا مفتوحا على مصراعيه: قد يكون أسوأ رد إيراني هو الأكثر احتمالا، وهو قرار بالانسحاب من التزاماتها المتعلقة بالحد من التسلح وبناء أسلحة نووية بجدية.

ومن المرجح أن يمثل احتواء هذه المشاعر على المدى الطويل التحدي الحقيقي لكل من إسرائيل والولايات المتحدة. إذا فشل الطرفان، فقد تؤمن المقامرة الإسرائيلية تسليح إيران نوويا بدلا من منعه. وأشار إلى نفس المقاربة جوناثان فريدلاند في صحيفة «الغارديان» (13/6/2025) حيث قال إن الهجوم الإسرائيلي جعل «التهديد الوجودي» أسوأ.

وقال إن نتنياهو يحضر للهجوم منذ 30 عاما، ولم يكن سرا قوله إنه لن يسمح بإيران نووية، وفي الوقت الحالي فهو مسرور بالنتائج. وأشار إلى أن توقيت الهجوم نابع من الضعف الإستراتيجي الذي تمر به إيران، ففي منطقة الشرق الأوسط تقوم السلطة على الحلفاء والوكلاء، حيث اعتمدت قوة النظام على «جدار النار» حول إسرائيل من سوريا الأسد إلى حزب الله في لبنان وحماس في غزة والحوثيين في اليمن والميليشيات الشيعية في العراق. وقد انهار الجدار أو القوة المتقدمة، محور المقاومة، وبدت إيران ضعيفة، وخاصة أنها نفسها تعرضت لضربات إسرائيلية العام الماضي.

وبالإضافة لهذا، فقد منحت الوكالة الدولية للطاقة الذرية سياقا للهجوم عندما أعلنت يوم الخميس أن إيران خرقت التزاماتها المتعلقة بمنع انتشار السلاح النووي، ولأول مرة منذ 20 عاما. وهو ما استغله نتنياهو الذي حمل رسومه التوضيحية أمام الصحافيين، وقال إن إيران وصلت إلى نقطة اللاعودة.

ووصف فريدلاند تصريحات ترامب عن الهجوم بأنه «ممتاز» و«قد يساعد» بأنها محاولة لحفظ ماء الوجه ونسب الفضل لنفسه بعدما تحداه نتنياهو وخرب على ما قيل جهوده الدبلوماسية. وأضاف الكاتب أن، كلام ترامب يعزز احتمال أن تكون محادثات عمان خدعة متفق عليها مسبقا لخداع طهران، وأن الولايات المتحدة ليست إلا مراقبا لهذه الحرب، وأنها قد تتورط فيها أكثر.

ومهما كانت «عملية الأسد الصاعد» مبهرة وربما لقيت ترحيبا من دول بالمنطقة التي ستفرح لرؤية إيران مدمية، على حد تعبير مراسل مجلة «إيكونوميست» إلا أن العملية كلها قد تثبت عبثها. فمن المؤكد أن قادة إيران سيزدادون الآن تصميما على امتلاك سلاح نووي، لا أقل.

وبهذا سيتعلمون مما يمكن تسميته درس كوريا الشمالية. فبعد حرب العراق، اختارت ليبيا التخلي عن برنامجها النووي. وبعد سنوات قليلة، قتل الديكتاتور الليبي، معمر القذافي. وعندما تخلت أوكرانيا أيضا عن قنابلها النووية، ليغزوها جارها. في هذه الأثناء، اتخذت سلالة الديكتاتور في بيونغ يانغ خطوة معاكسة: فقد احتفظت بأسلحتها النووية، ولم يمسسها أحد قط. ويبدو هذا المنطق قاتما ولكنه مقنع، ويبدو أنه يزداد تشددا في طهران. و«يمكن لنتنياهو أن يتطلع إلى خوض الانتخابات الإسرائيلية المقبلة بصفته الرجل الذي أذل عدو إسرائيل اللدود، سيكون ذلك جيدا. ولكن بهذه الخطوة، ربما يكون قد قرب من احتمالية وجود شرق أوسط نووي، وهو كابوس. هذا خطر على بلاده وعلى العالم».

وهذا بالضبط ما أشارت إليه صحيفة «الغارديان» (13/6/2025) في افتتاحيتها عندما قالت إن تهور نتنياهو وعدم تماسك مواقف ترامب تزيد من المخاطر في الشرق الأوسط. وقالت الصحيفة إن إسرائيل واثقة بشكل متزايد وخطير من قدرتها على إعادة تشكيل الشرق الأوسط وتعتقد أن هجماتها السابقة على حماس وحزب الله والدفاعات الجوية الإيرانية قد أتاحت لها فرصة وجيزة للقضاء على التهديد الوجودي الذي يشكله البرنامج النووي الإيراني قبل فوات الأوان. ولن تهرع روسيا لإنقاذ طهران، وبينما لا تريد دول الخليج زعزعة الاستقرار، فإنها لا تشعر بالانزعاج لرؤية عدو قديم يضعف. والأخطر من ذلك تصريحات ترامب الذي طالما تبجح بأن ميراثه سيكون صانع السلام والموحد. ومع ذلك، قال يوم الجمعة بأنه غير قلق من اندلاع حرب إقليمية بسبب الضربات الإسرائيلية. وعليه، فهناك قلة ستشعر بالتفاؤل، فالتناقض الحالي في السياسة الخارجية الأمريكية وغموضها يغذيان عدم الاستقرار، وينذران بجر الخصوم نحو حسابات خاطئة مصيرية.
  • تسير نائمة نحو الحرب
وفي النهاية، كشفت الحرب ضد إيران التي لن نعرف نتائجها وإن كانت ستنهي خطر إيران النووي، كما أشارت صحيفة «نيويورك تايمز» (13/6/2025) إلا بعد أيام أو أسابيع، عن خطورة نتنياهو علينا جميعا. فهو كما يقول مصطفى بيومي في صحيفة «الغارديان» (13/6/2025) يتعامل مع الحرب كحل لكل مشاكله الداخلية في إسرائيل. ويعتقد نتنياهو أن قوة الحرب ستوحد المجتمع الإسرائيلي وستسكت أي انتقاد أمريكي له، وهو أمر ضروري لأن الآلية التي يحتاجها لشن حروبه تأتي في الغالب من واشنطن.

وبعدوانه على إيران، يسعى نتنياهو إلى جر الولايات المتحدة إلى مستنقع عسكري لا نهاية له في المنطقة، وإشعال فتيل الحرب في العالم. وأشار بيومي إلى زعم نتنياهو من أن الهجوم على إيران كان «ضربة استباقية» ضد برنامج نووي سري. لكن هذا محض كذب. فالضربة «الاستباقية» تتطلب تهديدا وشيكا بالغزو أو استخدام القوة العسكرية. لم تكن إيران على وشك مهاجمة إسرائيل، سواء بسلاح نووي أم لا. ومهما كان موقفك من برنامج إيران النووي، فتوجيه إسرائيل ضربة وقائية ضد دولة ذات سيادة يعد عملا عدوانيا صارخا. وهو غير قانوني من حيث الأساس بموجب القانون الدولي، وسيقوض أكثر فأكثر إمكانية تعايش الدول ذات السيادة بسلام وأمن مع بعضها البعض. وحذر من أن تكون أمريكا تسير وهي نائمة إلى مصيدة الحرب التي نصبها نتنياهو لها.
القدس العربي