ا بال البشرية تائهة بين كثافة الضجيج وفراغ المعنى؟

كأنّ الأرواح تبحث عن وطن، عن دفء لا يُشترى، عن نبضٍ يُشعرها بأنها ليست وحدها. وفي خضمّ هذا التيه، يغيب عن العقل البشري سؤال جوهري:

هل يُمكن لروح الإنسان أن تزدهر بعيدًا عن مهدها الأول… عن الأسرة؟

الأسرة ليست مجرد بناءٍ اجتماعي، بل هي أول محراب تتعلّم فيه النفوس لغة الرحمة، وأول ساحة تجرّب فيها معنى العدل، وأول سماء تُشرق فيها شمس الروح. هي أمةٌ مصغّرة، تسكنها طبائع البشر بكل تنوّعها: الحكيم، الحالم، الصامت، المبادر، المتأمل، النقيّ، المتعثّر… جميعهم ينصهرون في بوتقة المحبة، ويتربّون على مشاعر الوحدة وحين تنمو براعم الشباب في أسرةٍ تُؤمن بالمحبة كقانون، وبالخدمة كمسار، وبالمشورة كنبض، يصبح تفكيرهم ليس فقط في مستقبلهم، بل في مستقبل العالم.

يصبح الحلم لديهم أوسع من الذات، ممتدًا ليعانق البشرية لكن حين تنفصم روابط هذا الكيان، لا يفقد الشاب المأوى فحسب، بل يفقد لغة الروح. يتوه في عالمٍ يلمع ظاهره ويبهت باطنه، ويشتاق سرًا إلى حضنٍ لم يجده، إلى كلمة صدق لم تُقال، إلى نظرة تُشعره أنه مرآة النور لا بقايا الظلّ. إن إصلاح المجتمعات لا يبدأ من القوانين والثورات وحدها، بل من إعادة بعث الأسرة كينبوعٍ مشعّ للحياة الروحانية حين تُبنى البيوت على المشورة و التفاهم، ويُفهم الزواج كميثاقٍ نورانيّ، وتنمو التربية على أسس الكرامة والخدمة، تنهض الأمة.

فهل آن للعقل البشري أن يتذكّر؟

أن يرى في قلب العائلة بذورًا قادرة على تشييد حضارةٍ تتّسع للجميع، وتُزهِر في كلّ قلب ضوء؟

فحين تزهر الأسرة… يزهر الشباب، وحين يزهر الشباب… يزهر العالم.

ودمتم في كنف الله سالمين ومؤيدين..