> الرياض "الأيام" وكالات:

​شدّدت السلطات السعودية القيود على دخول أراضيها قبل أيام من انطلاق موسم الحج، بهدف الحد من أعداد الحجاج غير النظاميين، بعد عام شهد وفاة المئات تحت وطأة الحر الشديد.

وينتشر شعار “لا حجّ دون تصريح” في وسائل الإعلام والمراكز التجارية والشوارع في مختلف أنحاء المملكة، كما يتلقى السكان رسائل نصية متكررة باللغتين العربية والإنجليزية للتحذير من مخالفة تعليمات الحج.

وشهد موسم الحج الماضي وفاة 1301 شخص، غالبيتهم العظمى من غير النظاميين الذين لم يحصلوا على تصاريح رسمية، ما حرمهم الإفادة من الخدمات الأساسية، وأبرزها الإقامة في المخيمات المكيّفة خلال المناسك والتي تُقام بمعظمها في الهواء الطلق، وسط درجات حرارة تخطّت 51 درجة مئوية.

وتتيح المملكة أداء فريضة الحج للسكان الحاصلين على تصاريح، وللوافدين الحاملين تأشيرات مخصّصة، إلا أن التوسع في إصدار تأشيرات عامة منذ 2019 أتاح المجال للآلاف من الأشخاص دخول الأراضي السعودية وأداء المناسك بطرق غير قانونية وأقل كلفة.

واستغل العديد من الحجاج تأشيرات الزيارة العائلية والسياحية لدخول مكة المكرمة، حيث الكعبة المشرفة وصعيد عرفات حيث يؤدي المسلمون الركن الأعظم للحج. وقال مسؤول في وزارة الحج والعمرة لوكالة فرانس برس طلب عدم كشف هويته “منذ نهاية الموسم الماضي أدركنا أنّ أكبر تحد هو عدم السماح للحجاج غير النظاميين بإفساد نجاح موسم الحج،” مشيرا إلى أن ضبط الدخول إلى مكة شكل أولوية هذا العام.

والعام الماضي، أدى 1.8 مليون شخص فريضة الحج، 1.6 مليون منهم من خارج البلاد، بالإضافة إلى نحو 400 ألف حاج غير نظامي بقوا في مكة وتسللوا إلى عرفات وأدوا المناسك. واضطر هؤلاء المخالفون الذين لا تتوافر لهم مخيمات مُكيّفة، على عكس الحجاج النظاميين، في منى أو عرفات، إلى افتراش الطرق والمساجد في أجواء شديدة الحرارة ما أدى إلى وفاة المئات منهم غالبيتهم مصريون.

ولتفادي تكرار ما حصل، أوضح المسؤول السعودي أن المملكة “طبّقت خطة لإخلاء مكة من الحجاج غير النظاميين المحتملين قبل الحج بأطول فترة زمنية،” في إطار حملة واسعة بدأت مطلع العام الحالي. وبالفعل، قررت السعودية بدءا من يناير الماضي تعليق إصدار تأشيرات الدخول المتعددة لمواطني عدد من الدول وتقييد منح تأشيرات سياحية وعائلية، لمواطني أكثر من 10 دول في مقدمتها مصر وباكستان والهند وبنغلادش والأردن.

وبات دخول مكة مشروطا بتصريح عمل أو إقامة منذ 23 أبريل، كما أعلنت حتمية مغادرة المعتمرين ومنع دخول حاملي تأشيرات الزيارة إلى مكة في 29 أبريل، أي قبل نحو 40 يوما من الحج، وهو ما يمثل ضعف المدة المحددة في 2024.

وضاعفت السلطات العقوبة المالية لتأدية أو محاولة تأدية الحج دون ترخيص من 10 إلى 20 ألف ريال (5333 دولارا) مع منع المخالفين من دخول السعودية لعشر سنوات، وفرضت غرامة تصل إلى 100 ألف ريال (26666 دولارا) لمن يقوم أو يحاول إيواء الحجاج غير النظاميين.

وقال المسؤول “كل هذا بهدف أن تكون مكة للحجاج المصرح لهم فقط خلال موسم الحج.” ويعتبر الحجّ أحد أكبر التجمّعات الدينيّة السنويّة في العالم، ويشكّل مصدر دخل رئيسيا للمملكة. وتُقدّر إيرادات المناسك والعمرة والزيارات الدينيّة الأخرى على مدار العام بالمليارات من الدولارات سنويا.

وكل عام، يعمل وكلاء سفر على إدخال الآلاف من الحجاج إلى عرفات مستفيدين من الازدحام الشديد وصعوبة التأكد من تصاريح جميع الذين يدخلون إلى الأماكن المقدسة في طوابير من الحافلات أو مشياً. وقال الخبير في الشؤون السعودية بجامعة برمنغهام عمر كريم إنّ السعودية كانت “تردع الناس ولكن لا تمنعهم” من دخول أراضيها قبل موسم الحج. وأوضح أنها غيرت نهجها هذا العام واتخذت “خطوات إضافية لمنع دخول الحجاج غير النظاميين.”

وأشار إلى أنّ “أهم هذه الإجراءات وقف إصدار تأشيرات الزيارة لمواطني بعض الدول. بهذه الطريقة يُمنع مئات الآلاف من الحجاج غير النظاميين من دخول البلاد من الأساس.” لكنه لفت إلى “صعوبة” منع الحجيج غير النظاميين من دخول مكة بمجرد دخولهم المملكة، “حتى مع نشر عدد كبير من مسؤولي الأمن.” وأعلنت السلطات السعودية استخدامها طائرات مسيّرة لضبط المتسللين إلى مكة من غير الطرق الرئيسية.

ونشرت قناة الإخبارية الحكومية لقطات مُلتقطة من الجو لعمليات توقيف سيارات قالت إنها كانت تنقل حجاجا بلا تصريح. وعلى الأرض، تداهم قوات الأمن المئات من الشقق السكنية في أحياء العزيزية وبطحاء قريش والشوقية بحثا عن المخالفين. واضطر الكثير من السكان العاملين بمكة إلى نقل زوجاتهم وأطفالهم حاملي تأشيرات الزيارة إلى خارجها. وبدت العديد من شوارع مكة خاوية إلى حد كبير مقارنة بالسنوات الماضية، على ما أفاد سكان لفرانس برس.

وأشار مهندس مصري مقيم في مكة، طلب عدم ذكر اسمه لحساسية المسألة، إلى مداهمة الأمن للمبنى حيث يقطن مرات عدة خلال الشهر الجاري. وقال “حضر رجال شرطة بالزي الرسمي إلى منزلي مرتين وطلبوا الاطلاع على تصاريح الإقامة الخاصة بي وبزوجتي.” وتابع “في كل مكان تقريبا نُسأل عن تصاريح الإقامة أو العمل بمكة. الأمن مستنفر بشكل غير مسبوق.”